محمد الشرادي -بروكسل- يحتفل الشعب المغربي قاطبة، من أقصى شمال المملكة إلى أقصى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، بالذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، التي تعد محطة وطنية متميزة في وجدان المغاربة، وتجسد أسمى معاني الوفاء والارتباط العميق بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي. وتعتبر هذه المناسبة لحظة تأمل واعتزاز بما تحقق من منجزات تنموية ومكتسبات حضارية، في ظل القيادة الحكيمة والرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ما فتئ يبذل جهودا جبارة من أجل رفعة الوطن وكرامة المواطن. فمنذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين سنة 1999، شكلت قضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج أولوية سامية ضمن اهتماماته، حيث أفرد لها جلالته العديد من المبادرات الهادفة، التي تصب جميعها في صون حقوقها، وحماية مصالحها، سواء داخل أرض الوطن أو خارجه، وقد جعل منها جلالته شريكا فاعلا في مشاريع التنمية والمخططات الاستراتيجية التي يشهدها المغرب، إيمانا بدورها الحيوي ومكانتها الرفيعة في خدمة الوطن وتعزيز إشعاعه الدولي. في مجال ممارسة الشعائر الدينية، نثمن عاليا المبادرات الرائدة التي أطلقها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والرامية إلى إعادة هيكلة الحقل الديني وتأطيره بما يضمن التصدي لمظاهر الغلو والتطرف. وقد تجسدت هذه الرؤية الملكية السامية في إحداث مجموعة من المؤسسات الرائدة، نذكر منها على سبيل المثال: -مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي تهدف إلى تعزيز أواصر التعاون الديني والعلمي بين علماء المغرب ونظرائهم في البلدان الإفريقية. -المجلس العلمي الاعلى، الذي يعد المرجعية العليا في الشأن الديني بالمملكة المغربية. -المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، الذي يعنى بتأطير الجاليات المغربية المقيمة بالخارج دينيا وثقافيا. -مؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، التي تعم بتأهيل الأطر الدينية وفق منهج وسطي معتدل. -مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، التي تسهم في الحفاظ على سلامة النص القرآني وتعميمه وفق رواية ورش عن نافع. وتندرج هذه المبادرات في إطار تعزيز النموذج المغربي المتميز في التدين، القائم على ثوابت الأمة الثلاثة: العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني المعتدل، وهي مكونات أساسية شكلت عبر التاريخ صمام أمان للاستقرار الروحي والوحدة الوطنية. تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حققت الدبلوماسية المغربية نجاحات بارزة واستراتيجية محكمة في التعاطي مع قضية الصحراء المغربية، مما عزز مكانة المملكة على الساحة الدولية. فقد استطاعت المملكة، بفضل رؤية جلالة الملك المتبصرة، أن تكرس نهجا دبلوماسيا فاعلا يقوم على الحزم في المبادئ والمرونة في الأساليب، وهو ما أثمر عن نتائج ملموسة. ومن أبرز تجليات هذا النجاح، التوسع الملحوظ في افتتاح القنصليات العامة لعدد من الدول الشقيقة والصديقة في مدينتي العيون والداخلة، بالأقاليم الجنوبية للمملكة. وتمثل هذه الخطوة تعبيرا سياديا صريحا عن اعتراف هذه الدول بمغربية الصحراء، وتكريسا عمليا لدعمها المتواصل للوحدة الترابية للمملكة. ولا يقتصر هذا الاعتراف على بعده الرمزي والسياسي، بل يحمل دلالات استراتيجية عميقة، تعكس الدور المتنامي للأقاليم الجنوبية كمحور حيوي في السياسة الخارجية المغربية، وبوابة اقتصادية وتجارية متقدمة نحو العمق الإفريقي، في إطار رؤية ملكية تهدف إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب، وتحقيق تنمية مستدامة وشاملة. إن ما نعاينه اليوم من مكاسب ديبلوماسية، ما هو إلا نتيجة لجهود دؤوبة ومتواصلة تنخرط فيها مختلف مؤسسات الدولة، بتوجيهات سامية من جلالة الملك، من أجل الدفاع عن السيادة الوطنية وتعزيز الشراكات الدولية في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، الأمر الذي جعل المنظومة الدولية تؤمن، بشكل متزايد ويقيني، بجدية ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي واقعي وعملي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، وذلك من خلال إرساء نظام حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، وفي إطار احترام الوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها الوطنية. في المجال الحقوقي أنجز صاحب الجلالة الملك محمد السادس، منذ توليه العرش في عام 1999، العديد من الإصلاحات، حيث عرفت المملكة المغربية تحولات مهمة في مجال حقوق الإنسان، سواء من حيث التشريع أو الممارسة أو المؤسسات. القضية الفلسطينية جعلتها بلادنا في مرتبة القضية الوطنية، وأن القدس الشريف هي دائما في صدارة اهتماماتها، كما أن المساندة الدائمة والمستمرة لبلادنا وعلى رأسها طبعا جلالة الملك محمد السادس نصره الله للقضية الفلسطينية تتجلى في المجهودات التي يبذلها جلالته على مستوى رئاسة لجنة القدس، وفي الإشراف على وكالة بيت مال القدس الشريف، والتي تجسد التضامن المطلق لمملكتنا مع فلسطين من خلال مشاريعها ومبادراتها الميدانية تجاه المقدسيين. في هذه المناسبة السعيدة، لا يسعنا إلا أن نجدد مباركتنا الصادقة ودعمنا الراسخ لكافة المبادرات السامية التي يطلقها مولانا أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، سائلين المولى عز وجل أن يسبغ على جلالته موفور الصحة والعافية، وأن يسدد خطاه ويوفقه لما فيه خير الوطن والمواطنين. كما نتوجه بأصدق التهاني وأطيب التمنيات لكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة، راجين لهم دوام السعادة والرخاء، ولشعبنا المغربي الأبي، داخل الوطن وخارجه، مزيدا من الطمأنينة والازدهار، في ظل القيادة الحكيمة لجلالته حفظه الله.