د. الشفيع خضر سعيدنحن اليوم نعيش في عالم لا يقبل العزلة والانعزال، وتتحكم فيه قوانين العولمة التي لا فكاك منها ويسري مفعولها شئنا أم أبينا، والتي تفرض التفاعلات والتداخلات بين مكونات هذا العالم كظاهرة موضوعية وحتمية.ومن ضمن هذه التفاعلات والتداخلات الموضوعية، مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي حول أزمات السودان. وكما أشرنا من قبل، فإن الحرب الراهنة في السودان، في جانب منها هي حرب بالوكالة عن أطراف خارجية عينها على أراضي السودان الشاسعة الخصبة ومياهه الوفيرة ومعادنه النفيسة. ويعزز من ذلك موقع السودان الجيوسياسي، والذي جعله في مرمى نزاعات وصراعات الموانئ والممرات المائية الدولية والإقليمية، كأمن البحر الأحمر وأمن وادي النيل، وفي مرمى الصراعات العرقية والدينية والسياسية وحروب المحاور في بعض البلدان المجاورة، وصراعات القرن الأفريقي والنزاعات المتفاقمة في منطقة الساحل والغرب الأفريقي. وموقع السودان الجيوسياسي، يقحمه في التنافس الحاد بين أمريكا والغرب من جانب وروسيا والصين من الجانب الآخر حول منابع البترول في الجزيرة العربية، وحول منطقة البحيرات في أفريقيا، وحول المعادن والمنابع الجديدة للطاقة وطرق نقلها، وحول السيطرة على السوق العالمي وممرات التجارة الدولية. ومعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الصين كمهدد استراتيجي لمصالحها، وتسعى لعرقلة المشروع الصيني الضخم المعروف بمشروع الحزام وطريق الحرير، والذي يمر بالسودان وأجزاء من القارة الأفريقية. كما أن الموقع الجيوسياسي يضع السودان في متناول تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وسعي إسرائيل للتمدد إفريقيا. ومن زاوية أخرى فإن الحرب في السودان ليست ببعيدة عن المواجهة الحادة بين تيارات المدنية الديمقراطية وتيارات الإسلام السياسي، داخل السودان وفي المنطقة، خاصة وأن من ظلوا يحكمون السودان لثلاثة عقود لم يكونوا بعيدين عن هذه التيارات ولاتزال دولتهم العميقة نشطة تحلم بالعودة للسلطة، بل وانتفضت خلاياهم لتشارك بقوة في القتال الدائر. وإذا قرأنا هذه المواجهة في ارتباط مع انتشار التنظيمات المتطرفة في جنوب ليبيا وإقليم تبستي بتشاد، وبتنظيمات القاعدة وبوكو حرام وسيلكا في غرب أفريقيا وبحيرة تشاد وأفريقيا الوسطى، وبتمركز حركة الشباب الصومالي في شرق أفريقيا، لاتضح لنا جانب آخر من طبيعة هذه الحرب اللعينة. لكل هذه الاعتبارات والحقائق، فإن المجموعات الرافضة للتعامل مع المجتمع الدولي والتي ترى في رباعية واشنطن مجرد مؤامرة ضد السودان، يتناقض طرحها مع الوقائع على الأرض ويعكس تخوفا من أن يؤدي توقف القتال إلى نتائج تتعارض ومصالحها الذاتية الضيقة، والتي تعارض مع المصلحة الوطنية العامة. وعلى العكس منمن هولاء، نحن نرى أخذ هذه الوقائع في الاعتبار، والتعامل مع مساهمات المجتمع الدولي في السودان وفق ثلاثة مبادئ: الأول، التأكيد على أن مساهمات المجتمع الدولي هي عوامل مساعدة، يمكنها وقف الاقتتال مؤقتا، ولكنها لا يمكن أن تنهي حرب السودان وتحل أزماته، فهذه لا يمكن أن تحل من خارج شعب السودان أو بالإنابة عنه. ومع ذلك، نحن لا يمكن ولا يعقل أن نرفض هذه المساهمات ما دامت لا تمس سيادتنا ومصالحنا الوطنية، وفي نفس الوقت لا نتجاهل سلبيات تجاربنا مع المجتمع الدولي. المبدأ الثاني، آخذين في الاعتبار أن الحرب في جانب منها هي حرب بالوكالة وذات علاقة بمصالح بعض الأطراف في السودان، أعتقد يمكننا تفهم ومناقشة الوسائل التي تضمن لها هذه المصالح شريطة ألا تتعارض مع مصالحنا الوطنية وأن تحقق مبدأ المنفعة المشتركة. المبدأ الثالث، وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية الفورية لا يمكن إنفاذهما بدون مساعدة دولية وإقليمية.لا أعتقد أن اجتماعات رباعية، ولاحقا سداسية، واشنطن ستوقف حرب السودان، لكنها من الممكن أن تفرض وقفا لإطلاق النار وانسياب المساعدات الإنسانية وتفتح الباب أمام مجهودات لاحقة بمشاركة المدنيين السودانيين لوقف الحرب. وبدلا عن اتخاذ وضعية المراقب والسباحة في أضغاث أحلام ما يمكن أن يحققه اجتماع واشنطن غدا، أرى أن تخاطب القوى المدنية السودانية الإجتماع بنقاط محددة تتمنى أن تراها ضمن نتائج اللقاء مشفوعة بآليات تنفيذها. ومن ضمن هذه النقاط:أولا، تفعيل آليات المجتمع الدولي لفرض حظر أسلحة صارم على السودان ومراقبته بشكل شامل، والضغط على الأطراف المعنية لوقف جميع أشكال الدعم المقدم للأطراف المتحاربة فورًا.ثانيا، الدراسة الجدية لاحتمال فرض وقف إطلاق النار الفني والحفاظ عليه، وذلك وفق الآليات المعمول بها إقليميا ودوليا وفي إطار القانون الدولي.ثالثا، تبني أساليب جديدة وفورية أكثر فعالية لمخاطبة الكارثة الإنسانية في البلاد بما في ذلك ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق أو استغلال من الأطراف المتحاربة، وضمان تمويل شامل ومرن مع زيادة فورية وكبيرة في التمويل المقدم للمنظمات المحلية المستقلة ومنظمات النساء والشباب.رابعا، تفعيل الآليات الدولية لحماية السكان المدنيين وحماية ممرات المساعدات الإنسانية، وكذلك اتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مع توثيق كل الانتهاكات والجرائم بغض النظر عن مناصب الجناة، وعدم مكافأة مشعلي فتيل الحرب ومنتهكي الحقوق.خامسا، العمل على ضمان حصول اللاجئين السودانيين في الدول المجاورة وغيرها على الحماية ومنحهم إقامة آمنة فيها، وتوفير المساعدات الإنسانية لهم.سادسا، دعم عمليات الحوار بين الفاعلين المدنيين السودانيين كأولوية لتحقيق مبادرة سلام مشتركة داخل وخارج السودان، وإشراكهم، بتعدد تكتلاتهم وليس حصرا على كتلة بعينها، في عملية سياسية شاملة ذات طبيعة تأسيسية للدولة السودانية، من تصميم وإدارة وقيادة القوى المدنية السودانية.سابعا، الدعم المادي لمبادرات المصالحات المحلية لإنهاء التصعيد ومحاربة خطاب الكراهية والعنصرية.أزمات السودان ليست مؤقتة أو محلية، ومخاطبتها تتطلب التزامًا طويل الأمد وشاملًا ماليًا وإنسانيًا وسياسيًا، داخل السودان وخارجه. وبهذه الطريقة فقط يمكن تمكين حكومة مدنية ديمقراطية تضع حقوق وحماية الشعب في المقام الأول وتضمن السلام المستدام.The post ماذا يريد السودان من اجتماعات واشنطن غدا؟ appeared first on صحيفة مداميك.