من بيان الإقصاء إلى طريق الانتحار السياسي … ردأ على بيان الرباعية الصادر عن القوى المدنية والثورية – يوليو 2025

Wait 5 sec.

بقلم: عاطف عبداللهناسف، وإن لم نندهش، من البيان الصادر عن ما يسمى بـ”القوى المدنية والثورية” بشأن اجتماع الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) حول السودان. بيان لا يعدو أن يكون نسخة مستنسخة من خطاب الإقصاء المزمن، المتلفع بشعارات ثورية جوفاء، والمصر على إعادة إنتاج الانقسام والعجز.هذا البيان لا يعبر عن الثورة ولا عن تطلعات أهلها، بل هو بيان عزلة سياسية يتحدث بلغة استعلائية لا تختلف كثيراً عن خطاب أنظمة القهر التي خرجنا ضدها. لا يرى في السياسة سوى مرآة لأيديولوجيا مأزومة، ويقصي كل من لا ينتمي إلى “الفرقة الناجية” الممثلة في “الكتلة الصافية”، ويقطع الطريق أمام أي محاولة جادة لوقف الحرب فقط لأن من يطرحها لا يمر عبر بوابة الحزب “الصحيح”. إنه بيان بلا أفق… ولا مسؤولية.من أول سطر، يكشف البيان عداءه لأي مسار تفاوضي لا تديره هذه المجموعة، لا مع الأطراف المتحاربة، ولا حتى مع القوى المدنية الأخرى التي لا تتبنى خطابها. بيان يرفض الحوار، ويرفع شعارات حدية تتجاهل الواقع المعقد، وتدفع نحو العزلة والانقسام. بدلاً من دعوة القوى المدنية للالتقاء حول حد أدنى مشترك، وتقديم رؤية موحدة تجاه الرباعية، ينزلق البيان إلى مستنقع التخوين وتصفية الحسابات، وكأن الهدف ليس وقف الحرب، بل تصفية الخصوم الأيديولوجيين.كنا ننتظر من قيادة الحزب الشيوعي أن تبادر، منذ الإعلان عن اجتماع الرباعية، إلى الاتصال بالدكتور عبد الله حمدوك وتحالف “صمود”، باعتبارهما الأقرب للتمثيل المدني، والسعي للاتفاق على ورقة موحدة تعكس مطالب الشعب الأعزل، بدلاً من إطلاق هذا البيان المحبط في لحظة حرجة لا تحتمل المزيد من الانقسام.وحين يتحدث البيان عن “رفض أي تمثيل مزيف للثورة”، فالمقصود الحقيقي هنا واضح: حمدوك وتحالف “صمود”. لماذا؟ لأن الجميع، إقليمياً ودولياً، يدرك أن حكومة حمدوك كانت آخر حكومة انتقالية جاءت بها الثورة وتم الانقلاب عليها، وهو لا يزال – برغم كل شيء – يحتفظ بشرعية سياسية وأخلاقية لا يمكن إنكارها. وتحالف “صمود”، رغم الانشقاقات، يبقى الكتلة المدنية الأكبر المناهضة للحرب، مهما حاول البعض تقزيمها أو القفز عليها. استهداف حمدوك و”صمود” في هذا التوقيت ليس نزيهاً، بل يسهل – عن قصد أو جهل – تمرير مشاريع بورتسودان، بتفريغ الساحة المدنية من أي تمثيل فاعل.إن ادعاء بعض الأطراف تمثيل الثورة بشكل حصري هو خطيئة سياسية وأخلاقية. فثورة ديسمبر لم تكن مشروع حزب، ولا مختبراً للنقاء الإيديولوجي. هي ملك لكل من خرج، وضحى، وعمل من أجل التغيير. لا تُدار الثورة من البيانات المعزولة، ولا من أبراج العزلة، بل من الميدان، ومن وحدة الإرادة الشعبية.وما يلفت النظر أن البيان يتناغم – دون أن يعترف – مع سلطة بورتسودان، التي يسميها “عسكرية” في العلن، بينما يستهدف خصومها المدنيين في الخفاء. هذا التناقض لا يمكن تفسيره إلا باعتباره جزءاً من مشروع إضعاف الجبهة المدنية، لصالح تحالف “بورتوكيزان”.الواقعية السياسية لا تناقض المبادئ. من كان جاداً في رفض الحرب وتحقيق العدالة، فعليه أن يطرح مبادرة تجمع القوى المدنية كافة، من “صمود” إلى الأمة والمؤتمر السوداني، بدلاً من إصدار بيانات تخوين وهروب من المسؤولية. فالمزايدة على العدالة لا تخدمها، والعدالة لا تُبنى بالشعارات، بل بالتحالفات، والعمل السياسي، والتفاوض من موقع القوة الجماهيرية.إن التاريخ لن يرحم من أدار ظهره للحظة الوحدة، أو من أضاع البوصلة الوطنية في متاهات الأيديولوجيا. لا للوصاية باسم الثورة. لا لتحالفات العزل والتخوين. نعم لوحدة قوى ديسمبر بكل أطيافها. العدالة تُبنى بالتفاوض، لا بالإقصاء.#الرباعية فرصة لا عدو#اتحدوا قبل أن تُفرض الحلول#السودان لن يتحمل مزيداً من الانقسامThe post من بيان الإقصاء إلى طريق الانتحار السياسي … ردأ على بيان الرباعية الصادر عن القوى المدنية والثورية – يوليو 2025 appeared first on صحيفة مداميك.