قراءة في استراتيجيات الناتو عبر العقود (١)

Wait 5 sec.

د. عمرو محمد عباس محجوبيجيء اهتمامي برصد تطور استراتيجيات حلف الناتو، بعد ان اطلنا عدم الاهتمام بها إلا في المناقشات العابرة، في دورها الخبيث والمتعاظم في رسم خيارات ومسارات المنطقة التي نامي لها سواء العربية او الأفريقية. لقد تدخل الحلف بشكل واضح ومؤثر في رسم خطوط توجهاتنا خلال العقود الفائتة في الوطن السودان، ومع ارتباط توجهات الصهيونية، وخاصة حماية ودعم والمساندة الغير مشروطة بأمن إسرائيل، لاستراتيجيات الحلف من حولنا وتأثير ذلك بشكل واضح على السودان وجدت اننا لابد ان نتناول تطور هذه الاستراتيجيات عبر هذه العقود.عندما فشلت العمليات الحربية للناتو بقيادة المعلم الكبير، الولايات المتحدة، في أفغانستان والعراق وجنوب لبنان، وغزة منذ بداية الالفية شكلت لجنة لدراسة أسباب الفشل فجاء تقرير بيكر هاملتون ليدعو للدخول في تسويات كبرى فكونت لجنة العراق وسميت لجنة بيكر هاملتون (ترأس اللجنة جيمس بيكر (وزير خارجية سابق جمهوري) ولي هاملتون (عضو كونغرس ديمقراطي سابق)، وضمت شخصيات بارزة من الحزبين) وملخصها فشل السياسات المتبعة والاعتراف بالحقائق والدخول في تسويات وشملت أربعة محاور عامة:١-الحل السياسي الداخلي العراقي: مصالحة وطنية شاملة: ضرورة إشراك جميع مكونات الشعب العراقي ومراجعة الدستور العراقي لتجنب التفكك الطائفي، مع التركيز على تقاسم الثروات النفطية بشكل عادل وإصلاح القطاع الأمني: بناء جيش وشرطة غير طائفيين وإضعاف الميليشيات من خلال دمج بعضها ضمن الأجهزة الأمنية، ونزع سلاح الأخرى تدريجيً.٢-الانسحاب التدريجي من العراق وإعادة الانتشار: تغيير المهمة العسكرية الأمريكية من “قتالية” إلى “دعم وتدريب” وسحب معظم القوات القتالية بحلول أوائل 2008، مع بقاء قوة محدودة لمهام الدعم والاستخبارات ومكافحة الإرهاب ورفض فكرة “الانتصار العسكري الكامل”، والاعتراف بأن الحل في العراق لا يمكن أن يكون عسكريًا فقط.٣-٤-الدبلوماسية الإقليمية والدولية: فتح حوار مباشر مع إيران وسوريا، باعتبارهما جزءًا من حل إقليمي شامل، رغم أنهما عدوّان تقليديان للولايات المتحدة وعقد مؤتمر إقليمي يشمل جميع دول الجوار (بما فيها السعودية، تركيا، الأردن، إيران، وسوريا) لدعم الاستقرار في العراق. وإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط (خاصة القضية الفلسطينية)، لأن استمرار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يؤجج المشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة.إصلاح أداء الحكومة الأمريكية: تحسين التنسيق بين وزارتي الدفاع والخارجية، والاستخبارات. وزيادة الكفاءة في مشاريع الإعمار، ومحاربة الفساد في العقود الممنوحة للعراق. وإجراء تقييم دوري لاستراتيجية العراق من قبل الكونغرس والبيت الأبيض.التوجه العام للتوصيات: تحوُّل من “الحل العسكري” إلى “الحل السياسي والدبلوماسي” والاعتراف بتعقيد الوضع الإقليمي وضرورة الحوار مع “الخصوم” وتقليل الخسائر الأمريكية والخروج المنظّم من المستنقع العراقي.رفض جورج بوش بعض التوصيات (خاصة الحوار مع إيران وسوريا)، وفضّل استراتيجية “زيادة القوات” (Surge) عام 2007. الديمقراطيون رحبوا بالتقرير لكن اعتبروه غير كافٍ. إيران وسوريا نظرتا إلى التوصيات بحذر، ورأتا أنها محاولة لاحتواء نفوذهما.بعد تقرير بيكر هاملتون ورفضه بدات في مراجعة الواقع عامي ٢٠٠٩-٢٠١٠ وخلصت ان في أفغانستان لم تستطع بناء دولة واعادت طالبان بناء مقاومة، وفي العراق فشلت في بناء دولة نموذجية وبدات حرب استنزاف من المقاومة، عام ٢٠٠٦ حدثت هزيمة لإسرائيل في جنوب لبنان واستطاعت تقديم نموذج ملهم في المقاومة وادّت لانسحاب اسرائيل، كما فشلت حرب الرصاص المصبوب في غزة عام ٢٠٠٨ ولم تستطع اخضاع القطاع. لذلك تم تكوين مؤتمر فرانكفورت لرفض التسويات ووضع مبدأ استعمال أدوات الحرب الناعمة: عبر تمويل المجتمع المدني وتمويل الإعلام الداعي للديمقراطية عن طريق اليواسايد.جاءت توصيات مؤتمر فرانكفورت نتاج هذا الفشل لتغير الاستراتيجية من الذهاب للحرب للتفكيك الداخلي؛ من الاحتلال إلى بناء شراكات امنية؛ ومن الصراع الصلب إلى التدخلات الناعمة؛ وأخيرا من استهداف الحكومات إلى استهداف الجماعات. وبرزت مقولات: اولا: انه من المستحيل بناء شرق اوسط امن من خلال أنظمة متماسكة ذات سيادة؛ ثانيا: الحاجة لأنظمة رخوة منقوصة السيادة؛ ثالثا: ان الامن في المنطقة لا يحتاج لجنود لكن لمهندسين اجتماعيين، رابعا: الحل ليس في إنهاء المقاومة لكن جعلها غير مجدية في عيون بيئتها.مؤتمر فرانكفورت 2010 كان محطة مهمّة في رسم ملامح العلاقة بين بعض القوى الغربية (وخاصة الألمانية والأوروبية) وجماعة الإخوان المسلمين، في سياق التحولات السياسية التي كانت تسبق مباشرة “الربيع العربي”. لم يكن المؤتمر بالضرورة مؤتمرًا رسميًا حكوميًا، بل أقرب إلى كونه منتدى للحوار الأكاديمي والسياسي، نظمته مراكز بحثية ومؤسسات مجتمع مدني أوروبية، بمشاركة شخصيات من جماعة الإخوان المسلمين أو مقربة منها، إلى جانب أكاديميين وخبراء أوروبيين. وكانت أبرز التوجهات والمضامين التي طُرحت في المؤتمر:الاعتراف بوزن جماعة الإخوان المسلمين: تم تناول الإخوان كقوة اجتماعية وسياسية مركزية في العالم العربي، ولا سيما في مصر وأشار بعض المتحدثين إلى أن محاولات عزل الجماعة أو استبعادها سياسيًا لم تفضِ إلى نتائج إيجابية، بل زادت من شعبيتها.إعادة النظر في السياسات الغربية تجاه الإسلاميين: طُرحت دعوات لسياسات أوروبية أكثر واقعية، تعترف بأن الإسلاميين – وفي مقدمتهم الإخوان – سيكون لهم دور في مستقبل الحكم في بعض الدول العربية وتم التشديد على أهمية الانخراط والحوار بدلًا من المواجهة والتهميش.تشجيع “الاعتدال” والانفتاح: شجعت بعض الأطراف الأوروبية الإخوان على تطوير خطابهم ليكون أكثر وضوحًا بخصوص الديمقراطية، الحريات، وحقوق المرأة وظهرت دعوات غربية لدعم التيارات الإسلامية التي تُظهر استعدادًا للمشاركة السلمية في الحكم، كبديل عن التيارات الجهادية العنيفة.الإخوان كم شريك محتمل للغرب: أُثيرت فكرة أن دعم الاعتدال الإسلامي قد يكون جزءًا من سياسة “احتواء التطرف” ورُوج لفكرة أن جماعة الإخوان، لكونها “إصلاحية” و”براغماتية” نسبيًا، يمكن أن تُستخدم كجسر بين الغرب والمجتمعات الإسلامية.إدماج الإخوان في مسارات ما بعد الأزمات: جاء النقاش في وقت كانت فيه مؤشرات توحي باقتراب تغيير كبير في العالم العربي (خاصة في مصر)، وكان هناك تفكير استباقي حول القوى التي يمكن أن تتصدر المشهد بعد سقوط بعض الأنظمة.خلفيات المؤتمر وسياقه: الزمن: قبل أقل من عام من اندلاع ثورات الربيع العربي، حيث كانت هناك توقعات بحدوث تحولات. الجهات المنظمة: مراكز بحث أوروبية، منها معهد غوته أو منظمات بحثية ألمانية معنية بالشرق الأوسط. الحضور: شارك فيه مفكرون غربيون، وبعض الشخصيات المرتبطة بالإخوان، مثل عزام التميمي وطارق رمضان، ما أثار انتقادات من بعض وسائل الإعلام.اتُهم المؤتمر (خاصة من قبل التيارات اليمينية الأوروبية) بأنه يروّج “لتطبيع” العلاقة مع الإسلام السياسي وانتقدت بعض الأصوات العربية المؤتمر، معتبرةً أنه محاولة لتبييض صفحة الإخوان دون مساءلتهم عن مواقفهم الغامضة تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان.مؤتمر فرانكفورت 2010 مثّل تحولًا جزئيًا في النظرة الأوروبية للإسلام السياسي، من التوجس والرفض، إلى الحوار والانفتاح المشروط، مع اعتبار جماعة الإخوان المسلمين شريكًا “محتملًا” في مرحلة انتقالية قد تشهدها المنطقة. وكان هذا التبلور مبنياً على عدم عداء الاخوان للغرب وعدم ممانعتهم التطبيع مع الكيان المحتل ( من المهم الاشارة ان اخوان السودان كانوا من مؤيدي الكفاح المسلح في الأراضي الفلسطينية وأمدت حماس بالدعم والسلاح) وقد تبلور هذا لاحقا ماحدث في مصر وتونس ووصولهم للحكم بعد ما اسمي ثورات الربيع العربي. وتاييد الناتو لدخول عناصر القاعدة في سوريا مما سنفصله لاحقا.The post قراءة في استراتيجيات الناتو عبر العقود (١) appeared first on صحيفة مداميك.