مهدي داود الخليفةفي يوم ميلاد الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي أبصر النور في 18 يوليو 1918، نستعيد السيرة العطرة لرمز عالمي للحرية، ونقرنها بسيرة فارس سوداني أصيل هو الأمير عبد الرحمن عبد الله نقدالله، الذي غيّبه الموت في 11 يونيو 2021، لكن بقيت مواقفه شامخة في وجدان الوطن. كلا الرجلين خاضا معركة الكرامة ضد أنظمة القهر، وحوّلا محاكماتهما إلى محاكمات للديكتاتورية، وأثبتا أن الحرية قضية لا تقبل المساومة، وأن الأبطال يواجهون الجلاد بابتسامة الإيمان.في عام 1964، وقف نيلسون مانديلا أمام محكمة ريفونيا ليدافع عن قضية شعبه لا عن نفسه، قائلاً:«لقد حاربت ضد هيمنة البيض، كما حاربت ضد هيمنة السود. لقد تمسكت بمُثل مجتمع ديمقراطي حر يعيش فيه الجميع بانسجام وتكافؤ في الفرص. إنه مُثلٌ آمل أن أعيش من أجله، وإذا اقتضت الضرورة، فأنا مستعد للموت من أجله.»حُكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة، فمكث 27 عامًا خلف القضبان، ثم خرج ليقود أمة جريحة نحو مصالحة تاريخية أدهشت العالم، وأثبت أن العفو والتسامح أقوى من الانتقام. حاز جائزة نوبل للسلام عام 1993، ولم يكن مجرد زعيم سياسي، بل أصبح رمزًا عالميًا للكرامة الإنسانية.وفي السودان، بعد عقود، كرر الأمير عبد الرحمن نقدالله المشهد في أكتوبر 1991، أمام محكمة النظام الشمولي، قائلاً:«أحببت أهل السودان بل وأفخر وأعتز بالانتماء إليهم، وفي سبيل ذلك حياتي فداء وروحي هبة ودمي قربان، فمرحبا بالموت في سبيل الله وهو شرف عظيم في سبيل السودان وأهله الطيبين الأوفياء.»لم يكن نقدالله سياسياً عابراً، بل كان مدرسة في الثبات على المبادئ، قاوم الاستبداد منذ عهد مايو وحتى نظام الإنقاذ، دفع حياته ثمناً لمواقفه النبيلة، وتعرض لأبشع صنوف التعذيب والاعتقال، لكنه ظل صامداً، رافضاً كل أشكال المساومة، مؤمناً أن الديمقراطية هي قدر السودان ومصيره.ما الذي يجمع بين مانديلا ونقدالله؟إنها القيم قبل المكاسب، والإيمان بأن الحرية أغلى من العمر، وأن التضحية سبيلها الأوحد. كلاهما حوّل قاعة المحكمة إلى منبر للنضال، وكشف أمام العالم زيف أنظمة القهر والاستبداد.لم تكن حياتهما أثمن من الوطن، فوهباها دون تردد، حاملين راية الحرية في وجه الظلم.مانديلا ألهم العالم بصبره وإصراره، فيما ألهم نقدالله السودانيين بثباته ووضوح مواقفه في أحلك الظروف.ورغم الألم والجراح، لم يزرع أي منهما بذور الانتقام، بل دعا إلى الوحدة والمصالحة، مؤمنين بأن الأوطان تُبنى بالحب لا بالكراهية، وبالعفو لا بالثأر.في عالمٍ تمزقه النزاعات، من السودان إلى فلسطين، ومن اليمن إلى أوكرانيا، تبدو رسالة مانديلا ونقدالله أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى:العدالة ليست ترفاً، بل شرطاً للسلام. والحرية ليست هبة من طاغية، بل حق يولد مع الإنسان.اليوم، والسودان يرزح تحت حرب عبثية، تتنازع فيه قوي مسلحة على أنقاض الدولة، تبرز الحاجة لاستلهام مانديلا ونقدالله، فالقضية ليست صراع سلطة، بل صراع قيم: هل نريد سوداناً حراً تسوده العدالة والديمقراطية؟ أم نعيد إنتاج الاستبداد؟ إنّ مدرسة الحرية لا تموت، مادام هناك من يؤمن أن الوطن يستحق التضحيةرحل مانديلا وبقي رمزاً، ورحل نقدالله وبقيت سيرته ضوءاً في عتمة الطريق. ولعل أعظم وفاء لهما أن نحفظ الدرس: انبل ما في السياسة هو الاخلاق اذ لا قيمة للسياسة إذا فقدت أخلاقها، ولا معنى للوطن إذا غابت الحرية. The post مانديلا ونقد الله: قلوب تنبض بالحرية رغم السلاسل” دروس خالدة في الوطنية appeared first on صحيفة مداميك.