صلاح شعيبكل ما حوته تقديرات بيان الرباعية بشأن السودان تطابق مع رؤى المكونات المدنية الداعية لإيقاف الحرب منذ نشوبها. ويعد البيان كسباً سياسياً للأصوات المدنية التي ظلت متمترسة في مواقفها المبدئية بأن استمرار الحرب لن يحقق تطلعات الشعب السوداني، فوقاً عن أنه لن يساعد على انتصار طرف ضد آخر بالضربة القاضية.الهجمات الارتدادية لدعاة الحرب من إسلاميين، وبلابسة، على بيان الرباعية المتوازن مفهومة إذا نظرنا للسياق الذي رسمته الحركة الإسلامية لتفسير أسباب الحرب التي هي في الأصل إعادتهم إلى السلطة، وبالتالي جرد البيان المؤتمر الوطني وإسلاميين آخرين من إمكانية الاعتماد على استراتيجية الاستمرار في القتال حتى تحقيق النصر المتوهم للجيش.أكبر عظة يمكن أن يخرج بها الإسلاميون من مواقف الدول الداعمة لسلطة بورتسودان هي أن علاقتهم المرحلية معهم تكتيكية، وليست استراتيجية، وذلك ما يعني أنه ليس لدى الإسلام السياسي أي حليف قارياً، وإقليمياً، ودولياً. وحتى على المستوى الداخلي فمسودات اتفاق جدة، والمنامة، حددت أن قيادة الجيش يمكنها مقايضة استمراريتها في السلطة – حتى ولو دعي الحال – بالتضحية بالإسلاميين، وتسليم قادتهم للجنائية.بالنسبة للأطراف الانفصالية ينبغي أن تفهم التحديات العديدة التي تواجه فكرة التقسيم، خصوصاً بعد تأكيد الأطراف على وحدة البلاد، وحرصها على استمرار الدعم للتحول الديمقراطي بغياب القادة العسكريين من الطرفين.البيان أوضح أن مستقبل البرهان السياسي ليس أحسن حالاً من داعميه الإسلاميين. فالبيان حجم فرص الجنرال في الاستفراد بالحكم بعد انتهاء الحرب، كما أن الجيش الذي يسيطر عليه الإسلاميون سيكون بمعزل في المشاركة السياسية التي تعقب الحرب، وتلك قاصمة الظهر التي جعلت هذا الضجيج الإسلاموي ضد الرباعية، ولم تنج مصر، وكذلك السياسي، من الإساءة، وإرسال الوعيد لنظامه.بيان الرباعية أكد أنه ما تزال الفرصة مؤاتيه للمكون المدني الذي ساهم في إسقاط نظام الإخوان المسلمين لاستئناف تحالفه العريض.. بوصفه الجهة الأقدر على وراثة أوضاع ما بعد الحرب. فمصداقية الأطراف الدولية تجاه المدنيين تعلو فوق تشككها في الأطراف الأخرى في قيادة الانتقال للديموقراطية.البيان أكد أن الدول المتورطة في الحرب قادرة على التوصل لتفاهمات ثم تنازلات تعزز مصالحها من النزاع السوداني – السوداني، بينما وجدنا الأطراف المتنازعة على السلطة في البلاد عاجزة عن التفاهم لإنجاز التسوية الوطنية، وفي خاتم المطاف فإن الأطراف المتحاربة ستذعن لنتائج توايا الرباعية، ومن خلفها تكمن العصا الأميركية الغليظة.أسئلة كثيرة طرحها مراقبون حول بيان الرباعية، ولكن يبدو أن البيان هو إعلان مبادئ أكثر من كونه جاء ليقدم روية تفصيلية عما ينبغي أن يكون عليه مستقبل النزاع الجاري بين الجيش والدعم السريع، خصوصاً إذا أدركنا أن دول الرباعية تملك معلومات استخباراتية كاملة عن ما قبل الحرب، ومجرياتها، وقدرة الطرفين المتصارعين في المواصلة فيها، والأهم من كل هذا تغليب بعض أطراف الرباعية إيقاف الحرب بدلاً عن إهدار مواردهم في حرب قد تستمر لعقد كامل من الزمان.البيان في أصله – وبصرف النظر عما يحققه، أو لا يحققه من اختراق سياسي إزاء الحرب – ممتاز بالنسبة لكل الأصوات الوطنية الحريصة على إيقاف الحرب، وبالضرورة فهو يمثل خيبة أمل لدى المنادين بسحق طرف للآخر، وكذلك أنه يذكر بانه هذه هي حدود الفعل الفعل الخارجي المؤيد لهذا الطرف أو ذاك.القراءة الجيدة لما بين سطور البيان الرباعي تؤكد أن الأماني السياسية شيء، والوقائع على الأرض شيء آخر، وبهذا المستوى فالبيان ينبهنا إلى أن حرب الوكالة معقود ناصيتها على مصالح المزودين بالسلاح، والدعم الدبلوماسي، واللوجستي. ولا تبديل لهذه الحالة إلى أن يستشعر المكون المدني المستنير دوره، ويتخلى عن قلة حيلته في تجاوز الانتهازية السياسية التي لم تبارح تحالفاته منذ ثورة أكتوبر.من الخطأ اعتبار جهد الرباعية لإيقاف الحرب نهائياً – بدءً بهدنة – مقصور على دولها التي أمضت على البيان الجديد. فكل دول الرباعية تملك مفاتيح أممية، ودولية، ولوجستية، وجيوبوليتيكية، قادرة على فرض إرادتها على السودانيين المحتربين العاجزين عن إيقاف الكارثة الإنسانية، وتداعياتها على دول الجوار، وتهديدها للسلم الإقليمي، والدولي.The post بيان الرباعية انتصار لرؤى دعاة إيقاف الحرب، وهزيمة لمخططات الإسلاميين appeared first on صحيفة مداميك.