عمار الباقربالأمس، التاسع من سبتمبر، قامت تل أبيب بتوجيه ضربة جوية إلى الدوحة استهدفت فيها قادة حركة حماس ووفدها المفاوض خلال اجتماع لهم بمقر المنظمة في الدوحة. أسفرت الضربة حتى الآن عن مقتل ستة أشخاص، بينهم همام خليل الحية، نجل القائد في حركة حماس خليل الحية، وضابط أمن قطري. إلا أنه، وحسب تصريحات حركة حماس، فقد نجا معظم قادتها المستهدفين بهذه العملية.أشير هنا إلى أنه في نهاية شهر يونيو الماضي قامت إيران بتوجيه ضربة صاروخية إلى قاعدة العديد في قطر، وذلك انتقامًا للهجوم الأمريكي على المفاعلات النووية الإيرانية، وعلى رأسها مفاعلا نطنز وأصفهان.تجدر الإشارة إلى أن قطر تستضيف قاعدة العديد الجوية (Al-Udeid) ، وهي أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، ويتراوح عدد الجنود الأمريكيين فيها ما بين عشرة آلاف إلى ثلاثة عشر ألفًا. كما تستضيف أيضًا مركز العمليات الجوية المشتركة (CAOC)، الذي يُعد بمثابة مركز المعلومات والتنسيق للعمليات الجوية الأمريكية في أكثر من عشرين دولة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث تُدار من خلاله عمليات الطائرات المسيَّرة الخاصة بالمراقبة والاستطلاع وأنظمة الدفاع الجوي. يضاف إلى ذلك التعاون الاستخباري الكبير بين الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، حيث تستضيف قطر محطات تنصّت واتصالات أمريكية متقدمة مرتبطة بالأقمار الصناعية، يُعتقد أنها تُستخدم لمراقبة الخليج وإيران واليمن والبحر الأحمر، فضلًا عن اتفاقيات أمنية واستخبارية تسمح بوجود ضباط ارتباط أمريكيين مع المخابرات القطرية.لم يشفع كل ذلك، ولا طائرة ترامب ذات الأربعمائة مليون دولار، لقطر في حماية أراضيها والسيادة على أجوائها، التي استُبيحت مرتين في أقل من ثلاثة أشهر، وبتواطؤ أمريكي كامل؛ الأمر الذي يثير التساؤل حول جدوى هذه القواعد وهذا التعاون.فعلى الرغم من الترسانة الجوية الأمريكية الضخمة في الأراضي القطرية، لم تحرك الولايات المتحدة ساكنًا لحماية الأراضي القطرية وسيادة الدولة على أجوائها، تمامًا كما لم تحرك روسيا ساكنًا إزاء الهجمات الجوية المتكررة على الدولة السورية أثناء فترة حكم بشار الأسد وبعد سقوطه. فكيف للولايات المتحدة وروسيا أن تحميا السيادة القطرية والسورية وهما قد فرّطتا فيها إبتداءاً وذلك بالسماح بإقامة تلك القواعد؟.في المقابل، نجد أنه وعلى الرغم من التعاون العسكري والاستخباري الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الذي مكّن إسرائيل من التنمر والاعتداء على معظم دول المنطقة، فإن الولايات المتحدة لا تمتلك أية قواعد عسكرية في إسرائيل، إذ لا يتعدى وجودها العسكري هناك نحو مئتي جندي في محطة أمريكية للرادار في النقب تعمل على رصد الصواريخ الباليستية الإيرانية.هذا درس مجاني لأبناء شعبنا من عسكريين ومدنيين، فذلك هو محصول التبعية، كما أن السماح وإقامة القواعد العسكرية لا يقود إلا إلى مزيد من التبعية وتفكيك وحدة أراضي البلاد وانتهاك سيادتها على مياهها وأجوائها ومواردها. لقد حذّرنا، ولا نزال نحذر، من تلك الدعوات غير المسؤولة التي أطلقها بعض القادة العسكريين على مستوى قيادة الجيش ومجلس السيادة المزعوم بالسماح بإقامة قواعد عسكرية داخل الأراضي السودانية، ظنًا منهم أن هذه الخطوة سوف توفر لهم قدرًا من الحماية لأنفسهم وحكمهم من التهديدات الدولية والإقليمية التي تواجههم. وتلك – لعمري – رؤية خاطئة بل وقاتلة، تدل على جهل كبير بأبجديات السياسة الدولية على المستوى السياسي، وعلى خلل مميت في التفكير الاستراتيجي على المستوى العسكري.فكما قال شاعر الشعب الراحل محمد الحسن سالم حميد:الجابرية إن دايرة شفاعة، ما يشفعلها إلا ضراعا.تلك هي القاعدة الذهبية في السياسة الدولية والمجال الاستراتيجي العسكري والأمني. فهناك فرق كبير بين التبعية من جهة، والتعاون وتبادل المنافع على أساس من الندية والاستقلالية من جهة أخرى. وهذا ما أدركته إسرائيل وغاب عن فطنة ملوك دول الخليج.The post تعليقًا على الهجمات الإسرائيلية على قطر ذلك هو محصول التبعية appeared first on صحيفة مداميك.