بكري الجاك مدنيلم يبق من طوب الأرض و لا من حبات الرمل في بلادنا (و ربما رمال العالم) اجمع و التي لم تعلم بعد بحجم الخراب و الدمار الذي تسببه حرب ١٥ أبريل للشعوب السودانية بلا استثناء، و ها قد لاحت فرصة في الأفق لإيقاف نزيف الدم حتى سارع تجار الحروب والخراب بالتذرع بكافة اشكال الحجج لأفشال خارطة الطريق التي تمخضت عن اجتماع الرباعية، و تمثل ذلك في بياني سلطة معسكر الحرب في بورتسودان، اذ ان احدهما اتى بلسان الخارجية و الاخر اتي على لسان ما يسمي بمجلس السيادة الانتقالي لسلطة الحرب فى بورتسودان و فى هذه العجالة سأسعي الي تفكيك زيف و خطل الحجتين الجوهريتين فى متن البيانين.و لكن قبل كل شيء يحب ان نسلم بأن فهم الناس للحرب يقوم علي سرديات عديدة و لكن فى جوهرها يمكن ان تجمل فى سرديتين أساسيتين:هناك سردية دعاة استمرار الحرب فى معسكر بورتسودان، سواء كانوا من الكيزان القدامي او الجدد في كارتيل تحالف المال و السلطة او من دعاة الدفاع عن مؤسسات الدولة و صد الغزو الأجنبي (الي اخر السردية)، و التى هي عبارة عن خليط بين التضليل و التزييف و قصد الجهل بحقائق ووقائع التاريخ و الجغرافية و صيرورة الاشياء و نظرية المؤامرة الكونية على السودان و بعض عن المناكفة و الحماقات ضد رفاق الأمس، و رغم كل هذا الكلام ما يحرك هذه السردية ليس نصاعة الحجة و سلامة البيان الشواهد لشرح و تقديم الأهداف السياسية التى لا يمكن ان تتحقق الا بالحرب بل هي قائمة على تقنين و شرعنة حالة الانقسام الوجداني و الغضب و الرغبة فى الانتقام.اما السردية الثاتية فان الحرب اشعلها تحالف المال و السلطة من الإسلاميين و الفاسدين و المنتفعين من اخطاف جهاز الدولة بهدف وقف عجلة التغيير و تصفية ثورة الشعوب السودانية بتغيير كل معادلات الواقع بالعنف و الترهيب و تقسيم القوي الاجتماعية التى أنجزت الحراك الشعبي الذي وحد وجدان الشعب السوداني حول شعارات كبيرة مثل الحرية و السلام و العدالة ومن ثم ارجاع الناس الى مكوناتهم الأولية من قبيلة و عقيدة و جغرافية و هذا ما يغزى خطاب الحرب اليوم و يعمل على تأجيجها، و هناك شواهد كثيرة على ذلك أهمها الإصرار على استمرار الحرب.لعله من البديهي ان اول الخطوات لمعالجة مثل هذا التباين الحاد فى الرؤي و الذي يغزي الحرب يبدأ بتصحيح التصورات لدي كل الأطراف للوصول الى مشتركات كبري تبني عليها سردية السلام و التي تبدأ بإيقاف و إنهاء الحرب كشرط ضرورة للحفاظ على الدولة السودانية ووقف النزيف و التشظي و التفكيك كمدخل لتطوير مشروع للتعافي الوطني و الاجتماعي، و تحقيق ذلك يبدأ بالتسليم بحقيقة واحدة لا جدال حولها انه لا يوجد حل عسكري للازمات الوطنية التى أوصلت البلاد الى هذا الخراب و جعلت ٣٠ مليون مواطن سوداني فى حاجة إلى إغاثة عاجلة.لا يمكن ان يتحقق السلام الا بقبول كل الأطراف بان الفرضيات و السرديات التى تقوم على الكل المطلق ستقود الى مواقف صفرية و تؤسس الى الحرب كغاية فى ذاتها و ليس كوسيلة لتحقيق اهداف سياسية طالما ان الهدف هو انهاء الاخر و نفيه من الوجود و ليس تغيير تصوراته و مواقفه.لا يمكن ان يتحقق السلام فى السودان بالبندقية او عن طريق الانتصار الناجز و الكامل فى الحرب، و حتى و ان تحقق هذا لطرف سيكون قد ادي إلى بذر بذور الحروب القادمة لا محالة، و هذا قد تم بالفعل الان و سيؤدي الى فقدان السيادة و تفتيت الدولة، و هما الحجتين الجوهريتين لدعاة استمرار الحرب، بمعني مباشر الحرب لتحقيق نقيض هذه الأهداف.في بياني سلطة بورتسودان وردت هذه الحجج بان السودان له كامل السيادة فى اتخاذ قرارات وقف الحرب و تحقيق السلام و فى حقيقة الامر هذه الحرب حولت السودان الى العوبة فى ايدي دول بعينها و بكامل إرادة دعاة السيادة الوطنية و اذا استمرت ستحول هؤلاء المسؤولين الى مجرد موظفين و ابواق الى جهات خارجية، و سيكون آخرها إرادة الشعب السوداني التي تستخدم الان فى تصوير ان استمرار الحرب يعبر عن ارادته و رغباته.اذ لا توجد لا سيادة و لا سبيل للدفاع عن مؤسسات الدولة، فمن أين اني دعاة استمرار الحرب بالحق للحديث باسم الشعب السوداني في انه يريد استمرار الحرب إلى يوم الدين، ثم منذ متى يكترث الفاشيون الاسلاميون و ربائبهم فى تحالف المال و السلطة لإرادة الشعوب؟ و هل لنا بحاجة الي تذكير الناس انه اخر مرة تم فيها استفتاء السودانيين فى انتخابات نزيهة و حرة كان فى عام ١٩٨٦ و غالبية من شاركوا فيها قد فارقوا الحياة؟ ثم هل من اشعلوا الحرب قاموا باستفتاء الشعب السوداني قبل الدخول فيها ليتم الان استخدام ارادته و تزويرها لرفض فرص السلام و تسويق خطاب الحرب باسم السيادة و الدفاع عن مؤسسات الدولة؟خلاصة القول ان دعاة الحرب لم تبق لهم حجج موضوعية للدفاع عن استمرارها و ما يقومون به الآن هو تزوير إرادة الشعب السوداني بالترهيب، فكيف لإنسان يعيش تحت سيطرة مليشيات تذبح و تقتل و تبقر البطون و قضاء يحاكم باسم العدالة كل من يقول “ان لا خير فى الحرب” ان تكون له إرادة حرة للخروج فى تظاهرة لرفض مبادرة السلام و تصويرها انها تركيع للسودان؟او لم تركع الحرب السودان كدولة و احالت شعبه الي جموع من النازحين و اللاجئين و الجائعين؟ أولم تسلب الحرب الشعب السوداني كرامته بالكامل باسم الكرامة؟هل ستسمح سلطة حرب الكرامة للذين لا يرون فى الحرب كرامة و يرغبون فى الخروج للدعوة لإيقاف الحرب و للسلام بالخروج أيضا و الانتظام فى مظاهرات داعية لإيقاف الحرب؟الإجابة يا سادتي واضحة و الكل يعلم أن الناس ستجبر على الخروج للتعبير عن إرادة دعاة الحرب و ليس للتعبير عن ارادات الشعوب السودانية، و قد عاش الشعب السودانيون في ظل الإنقاذ ثلاثون عاما جعافا و قد خبروا فيها كافة ضروب التضليل و الكذب و الفساد المؤسسي.علينا نحن كل دعاة السلام و الساعين الى وقف نزيف الدم التحرك (دون أن نعرض حياة الناس للخطر) فى ان ننظم انفسنا، خصوصا فى المهاجر، لنعبر عن الارادة الحقيقة الحرة للشعوب السودانية الراغبة فى السلام و الاستقرار و العيش الكريم الذي يمكن ان يتحقق فى ظل سلطة فاشية تحاول ارجاع عجلة التاريخ للوراء، برغم جريان بحور من المياه تحت جسور السياسية السودانية، و تعمل فى هذه الاثناء على إعادة انتاج نفسها باسم الوطنية هذه المرة بعد ان فشلت اكذوبة الدين و إقامة إرادة الله فى الأرض، فهلا تحركنا؟The post ما الذي يجب ان يدفعه السودانيين للسلام أكثر من الحرب ؟ appeared first on صحيفة مداميك.