بقلم: بلال مرابط يبدو أن السؤال الذي كان خيالا قبل سنوات صار اليوم واقعا يفرض نفسه: هل يمكن لمواقع التواصل أن تتحول إلى آلية تصويت ديمقراطية، تستشار من خلالها إرادة المواطنين مباشرة؟ في المغرب، حيث فقدت الأحزاب ثقة المواطنين، برزت منصات التواصل كقوة موازية، كمجال عام جديد تصاغ فيه القناعات وتختبر فيه الشرعيات. واحتجاجات جيل “زد” الأخيرة لم تأت من الشارع فقط، بل من الإنترنت أولا. لقد خرجت الأحزاب من مكاتبها المكيفة لتجد نفسها وجها لوجه أمام “المعارضة الرقمية”، معارضة لا يرأسها أحد، ولا تشترى ولاءاتها بالوعود الانتخابية. المواطن الذي اعتاد أن يمثل داخل البرلمان صار اليوم يرى أن تمثيله الرقمي، عبر منشور أو وسم أو حملة إلكترونية، أكثر تأثيرا من تصويت يختفي صداه بين قاعات التشريع. وحين تمر قوانين حساسة دون نقاش مجتمعي كاف، مثل قانون المسطرة المدنية، يتولد شعور جماعي بأن الزمن التشريعي لم يعد يواكب الزمن الشعبي. وما المحكمة الدستورية التي أسقطت القانون المذكور بعد طعن من رئيس مجلس النواب، إلا دليل على أن آليات الرقابة الكلاسيكية لا تشتغل إلا نادرا وحين تشتغل يتسأل الشارع لما لم تفعل مع القوانين الأخرى؟ في حين تكون “الرقابة الرقمية” قد أنجزت مهمتها منذ اللحظة الأولى التي انتشر فيها الجدل على الإنترنت. لكن السؤال الأعمق هو: لماذا لا يتحول هذا الجدل إلى آلية مؤسساتية؟ ولماذا لا يوظف هذا الوعي الرقمي في بناء ديمقراطية تشاركية فعلية؟ في المقابل، بدأت بعض الدول تجربة دمج الذكاء الاصطناعي في وظائف الحكم بطريقة رمزية أو عملية. ففي ألبانيا مثلا، تم تعيين أول وزيرة روبوت في الحكومة، شخصية رقمية تُعرف باسم “دييلا”، لإدارة ملفات المشتريات العامة ومكافحة الفساد، وهي خطوة عملية تعكس إمكانية توظيف التكنولوجيا لدعم اتخاذ القرار. أما في اليابان، فقد أعلن حزب سياسي "Path to Rebirth" ، بعد استقالة مؤسسه، أنه سيجعل ذكاءً اصطناعيًا قائده الرمزي، بحيث يساهم في توزيع الموارد واتخاذ بعض القرارات التنظيمية داخل الحزب، دون أن يكون له دور رسمي في الحكومة الوطنية، وهو مثال رمزي على إدخال الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي. هذه التجارب تبرز كيف يمكن استغلال التكنولوجيا لإعادة صياغة العلاقة بين المواطنين وصنع القرار، سواء بشكل تجريبي أو رسمي، وهنا يبرز السؤال! لماذا لا يجرؤ المغرب، الذي قطع خطوات كبرى في رقمنة الإدارة، على رقمنة الديمقراطية نفسها؟ ما المانع من استحداث “منصة وطنية للمشاركة الرقمية”، يتاح فيها للمواطنين التصويت أو إبداء الرأي في مشاريع القوانين الكبرى، بشكل موثق ومؤمن؟ لقد تجاوزت مواقع التواصل وظيفتها الأولى كوسيلة ترفيه أو تواصل شخصي، وأصبحت بنية تحتية للرأي العام، تقاس بها المزاجات الاجتماعية وتوجه عبرها السياسات أحيانا. وإن تجاهلها اليوم يشبه تجاهل المطبعة في القرن الخامس عشر. تماما كما غيرت الطباعة شكل المعرفة، تغير الشبكات اليوم شكل الديمقراطية. لكن دمقرطة الفضاء الرقمي لا تعني الفوضى، بل تنظيم المشاركة. أن تصغى لأصوات الناس لا أن يتركوا للصراخ. أن تنظم الحملات الإلكترونية في إطار قانوني يمنحها القوة، بدل أن تترك كعواصف موسمية. وإذا كان المواطن قادرا على أداء ضرائبه إلكترونيا، فلماذا لا يصوت إلكترونيا؟ وإذا كنا نثق في تطبيقاتنا البنكية لإدارة أموالنا، فلماذا لا نتقاسم هذه الثقة في تطبيق وطني لإدارة إرادتنا السياسية؟ ربما نحن أمام لحظة انتقالية حاسمة، فما كان يسمى “العالم الافتراضي” لم يعد افتراضيا على الإطلاق. هو الآن العالم الحقيقي الذي تبنى فيه القناعات وتحسم فيه المواقف، ومن لا يسمع نبضه، هو حتما لا يسمع نبض الشارع.