كتب: عبد الله بوصوف في الفترة الأخيرة ، برز في المغرب جيل جديد يعبّر عن نفسه بطرق مغايرة لما ألفته الأجيال السابقة. إنه جيل “زد”، الذي وُلد في عالم رقمي مفتوح، يتقن أدوات التواصل السريع ويملك وعياً نقدياً متقدماً، لكنه يعيش أيضاً إحباطاً متزايداً بسبب البطالة وغلاء المعيشة وضعف الأمل في المستقبل. خرج هذا الجيل في المغرب بشعار السلمية وبمطالب اقتصادية واجتماعية تعكس طموحاته، غير أن ما يميز هذه التحركات، رغم صدقها، هو طابعها العام الذي يكتفي بترديد الشعارات دون تقديم بدائل أو برامج عملية قابلة للتحقيق. وما يحدث في المغرب ليس معزولاً عن تجارب أخرى عرفها العالم. ففي بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا ونيبال ومولدافيا، خرج الشباب بدورهم للمطالبة بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وسقطت حكومات وتغيّرت أنظمة، لكن المطالب نفسها بقيت معلّقة. فالشعارات، على الرغم من قوتها الرمزية، لم تتحول إلى إصلاحات ملموسة لأن الحركات الشبابية في تلك البلدان لم تصغ مشاريع واضحة لما بعد الاحتجاج، واكتفت بالتعبير عن الغضب دون تقديم بدائل حقيقية. والنتيجة أن الحماس الشعبي خفت سريعاً، بينما بقيت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على حالها. هذه الدروس تبين أن الاحتجاج وحده لا يكفي، وأن المطالب مهما كانت نبيلة تحتاج إلى رؤية سياسية واقتصادية واضحة. فالمشكل ليس في الوعي بضرورة التغيير، بل في غياب الأدوات الواقعية لتحقيقه. فالشباب في المغرب، كما في تلك التجارب، يطالب بالكرامة والعدالة، لكنه يحتاج إلى الانتقال من مرحلة الرفض إلى مرحلة البناء، لأن الشعارات دون مشروع لن تؤتي ثمارها. في هذا السياق، تقع على عاتق الحكومة مسؤولية تقديم عرض سياسي جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة، قائم على رؤية تواصلية عقلانية تُشرك المواطن وتعيد الثقة إلى المجتمع، وعلى سياسات اقتصادية تُحفّز الإبداع وتبني اقتصاد المعرفة باعتباره رهان المستقبل. كما يجب العمل على تعزيز صورة المغرب في الخارج، عبر إبراز موروثه الثقافي الغني ونموذجه المتفرد في التعدد والتعايش، بما يرسّخ مكانته كدولة قادرة على التوفيق بين الأصالة والتحديث. ومن الضروري أيضاً إدماج الجالية المغربية في مسلسل التنمية الوطنية، ليس فقط عبر تحويلاتها المالية، بل من خلال استثمار كفاءاتها وخبراتها المنتشرة عبر العالم، باعتبارها رصيداً بشرياً يمكن أن يسهم في نهضة الوطن في مجالات التكنولوجيا والعلم والاقتصاد والثقافة. ورغم التحديات، يبقى المغرب حالة متميزة في محيطه الإقليمي، لأنه يملك عنصر الاستقرار الذي فقدته دول كثيرة. فوجود الملك وثقة الشعب فيه شكّلا دوماً صمام أمان يحفظ تماسك الدولة ويضمن استمرار مؤسساتها. هذه العلاقة المتينة بين الملك والشعب منحت المغرب قدرة على تجاوز الأزمات وحماية مساره الإصلاحي من الانزلاقات التي عرفتها تجارب أخرى في المنطقة. وفي تجارب دول أخرى، مثل فنلندا والسويد وكندا، واجهت الحكومات مطالب الشباب بذكاء وهدوء، فاختارت الإصغاء بدل المواجهة، والحوار بدل القمع. أنشأت هذه الدول منصات رقمية ومنتديات تشاركية ضمّت الشباب وصانعي القرار، ونتج عن ذلك إصلاحات ملموسة في التشغيل والتعليم والسكن. وفي كندا مثلاً، بعد احتجاجات الطلبة في كيبيك، فُتح حوار وطني واسع أفضى إلى برامج لتشغيل الشباب وإشراكهم في السياسات التعليمية. هذه التجارب أثبتت أن التعامل العقلاني مع المطالب، والانتقال من منطق الردّ إلى منطق الإصغاء، يحوّل طاقة الاحتجاج إلى قوة اقتراح وبناء. إن المغرب اليوم يمتلك كل شروط النجاح لتدبير المطالب الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، إذا ما تم توجيه الحوار الوطني نحو شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، تقوم على المشاركة والشفافية والواقعية في طرح البدائل. فالإصلاح لا يتحقق بالصوت العالي، بل بالعمل الهادئ والمثابر في إطار وطني جامع يجعل الشباب قوة اقتراح ومسؤولية مشتركة في التنمية، وذلك في ظل ثوابتنا الراسخة تحت شعار الله، الوطن، الملك