كشف مصدر رفيع مطلع على تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، في محادثات مغلقة، عن "القصة الحقيقية" وراء هذا الاتفاق، وكواليس التوصل إليه. ووفق تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد تحدثت التصريحات في شرم الشيخ عن "اتفاق تاريخي"، ولكن خلف الابتسامات المتوترة والمصافحات القوية، كانت تختبئ حقيقة أكثر تعقيدا بكثير. في حين بيـن مصدر رفيع مطلع على تفاصيل المفاوضات في محادثات مغلقة القصة الحقيقية: الأمر لا يتعلق باتفاق نهائي، بل بـ إطار مبادئ "فضفاض" فُرض على الأطراف بضغط أمريكي غير مسبوق. والهدف، وفقا للمصدر، لم يكن حل جميع المشاكل، بل خلق ديناميكية تنهي الحرب". كما أن القصة الكبرى للصفقة التي تم التوصل إليها لا تكمن في تفاصيلها، بل في غياب هذه التفاصيل. وأوضح هذا المصدر الأمني الرفيع المستوى قائلا: "لا يوجد إغلاق حقيقي للتفاصيل.. كان هناك ضغط من ترامب من الأعلى لإغلاق الملف بسرعة. تم الاتفاق على مبادئ عامة، لكن لم يُتوصَل إلى أي شيء جوهري. كان الهدف واحدا: خلقَ ديناميكية الإغلاق. لقد نجحوا في ذلك. وشكرا لـ [جائزة] نوبل"، أضاف بسخرية في إشارة إلى الدوافع المحتملة التي كانت تحوم فوق رأس الإدارة الأمريكية.ووفقا للمصدر، فإن كل من بحث في الاتفاق عن آليات تنفيذ واضحة، أو جداول زمنية دقيقة، أو قوائم بالأسماء، أخطأ العنوان: "لم يغلقوا أي شيء جوهري على المستوى التكتيكي. لا شيء. لا أحد من جانبنا يتعامل مع أي شيء لا يتعلق بالإفراج والانسحاب. بالتأكيد ليس التجريد من السلاح أو الطرد"، على حد قوله.وفي جوهر الاتفاق تكمن استراتيجية دبلوماسية بارعة، وصفها المصدر بأنها "تكتيك مدهش". والفكرة، بحسب قوله، هي إجبار كلا الطرفين، إسرائيل وحماس، على الموافقة أولا على الإطار العام، ومن ثم إدارة الخلافات بشأن التفاصيل الصغيرة - والحاسمة - لاحقا. كل هذا يحدث بينما تحوم فوقهم "أجواء اتفاق"، وتمارس دول المنطقة - مصر وقطر وتركيا والسعودية - ضغطا هائلا يمنع أي طرف من تفجير هذه الخطوة.وأكد المصدر: "هذا صامد.. من سيفجّر هذا الآن وعلى أي أساس؟ بعد أن وقّع عليه العالم العربي والغربي بأكمله، أصبح الطرفان محاصرين داخل هذه الديناميكية". المنطق بسيط: بدلاً من التنازع على هوية الأسرى أو الخريطة الدقيقة للانسحاب لأشهر، سيُضطر الطرفان لإيجاد حلول تحت التهديد المستمر بانهيار الاتفاق بأكمله ، وهو سيناريو لا يمكن لأي من الأطراف المشاركة تحمل عواقبه، وفق ما ورد في "يديعوت أحرونوت".وفي إطار المبادئ العامة، حصل كل طرف على الإنجاز الاستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة له. صرح المصدر بالقول: "حماس حصلت على البقاء واقفة على قدميها، ووقف الحرب، والحصول على ضمانات من هنا وحتى أنقرة. ونحن حصلنا على عودة الجميع والانسحاب الذي يحافظ على محور فيلادلفيا والمحيط الأمني. بخلاف ذلك، لا شيء".وتطرق إلى تفاصيل انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة قائلا: "الجيش الإسرائيلي سيبقى في الداخل حتى بعد الإفراج عن الأسرى، لكن خارج المدن. سيعتمد الانسحاب على وتيرة الإفراج. أين بالتحديد؟ كم؟ لماذا وإلى متى؟ ابحث عن الجواب. أقول لك، إنه غامض عمدا".وأضاف: "سيبقى الجيش هناك حتى التجريد من السلاح، لكن لن يكون على مستوى لا يسمح للناس بالعودة للعيش هناك. القصة كلها هي الخروج من المدن وعودة السكان إلى الحياة الطبيعية". وعلى الرغم من أن الأمر لا يتعلق بـ "نصر مطلق" أو قضاء على حماس، رأى المصدر نفسه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتلك العديد من الإنجازات التي يمكنه تسويقها للجمهور: "يمكنه القول إن الجميع يعودون في دفعة واحدة، وأن حماس معزولة وكل الدول ضدها، وأننا لم نتراجع عن الخطوط الرئيسية. هذا بالتأكيد اتفاق جيد من وجهة نظره".وستكون الرواية الإسرائيلية، بحسب قوله، هي أن القوات ستبقى في غزة في "مواقع مسيطرة" ويمكنها "الدخول في اللحظة التي نرغب فيها". أما المرحلة الثانية من الاتفاق، التي من المفترض أن تتناول التجريد الكامل من السلاح، فلم تُناقش على الإطلاق: "هذه قصة نرويها لأنفسنا، وهذا أمر جيد تماما إذا كان يؤدي إلى عودة الرهائن".وشدد على أن الضغط للتوصل إلى الاتفاق جاء من الخارج: "هذا هو الدليل التجريبي على أن كل ما يحدث الآن ليس بفضل بيبي [نتنياهو]، بل بفضل ترامب. لو كان الأمر متروكا لنتنياهو، لما كان قد فعل ذلك".إلى جانب وقف القتال، تشير الصفقة إلى تحول استراتيجي عميق في المنطقة. حيث ذكر المصدر: "إننا ندخل عصر الاتفاقيات، وليس عصر الحرب"، معددا سلسلة من التداعيات الدراماتيكية:العودة إلى المسار السياسي: قضايا مثل كامب ديفيد وأوسلو تعود إلى الطاولة.تجميد الضم: الخطوة المخطط لها في الضفة الغربية تخرج من الصورة.عودة السلطة الفلسطينية: ستشارك مرة أخرى في إدارة غزة.محور إقليمي جديد: دخول تركيا وقطر إلى "المحور الأمريكي"، إلى جانب السعودية، وفق تعبيره.وختم قائلا: "تذكر أن الجيش يريد إنهاء الأمر بشدة"، مردفا: "سيتسبب في حدوث ذلك بنفسه". فرسالته واضحة، وهي مطابقة لتصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء اليوم: " انتهت الحرب. الآن تبدأ المفاوضات الحقيقية حول تفاصيل الاتفاق، ضمن واقع جديد فُرض على الجميع".المصدر: "يديعوت أحرونوت"