اللواء الركن (م) أسامة محمد عبد السلام يكتب: الفريق أول عصمت جنرال من الزمن الجميل

Wait 5 sec.

بعيد عودتي من حاضرة ولاية جنوب كردفان مدينة كادوقلي نهاية شهر يوليو العام 2011م وقد سلمت شعبة الاستخبارات لأخي العزيز وسنيري عوض شبو بعد أن اقتنعت رئاسة الهيئة بضرورة (سحبي) سيما وأن قرار تعييني ملحقاً عسكرياً بيوغندا كان قد صدر في 12 أبريل 2011م.. وصلت الخرطوم ورأت رئاسة الاستخبارات أن ألتحق باستخبارات القوات البرية التي كان على رأسها المرحوم جمال عمر ولكن بعد عدة أيام اتصل بي سيادة العميد قاسم علي وقد كان في الشؤون الإدارية ونقل لي خبراً (عجيباً غريباً) هو أشبه بتوجيه أكثر من كونه خبراً.. قال لي بالحرف الواحد بأن دورة الحرب رقم 11 ستبدأ خلال أسبوع من الآن وقد وجه سعادة الفريق عصمت وقد كان رئيس أركان مشتركة حينها بأن ألتحق بالدورة لحين وصول موافقة دولة التمثيل.. كان الأمر بالنسبة لي مستغرباً فكيف سيكون أدائي كمنتسب رسمياً للدورة وأنا أتوقع قطعها في أي لحظة للالتحاق بمهام عملي الجديد؟؟ ولما سألته ذات السؤال لم يزد عن ان هذا توجيه (من فوق) وما علي سوى (الاستلام والتنفيذ).. بالأكاديمية التقيت اللواء الركن عماد عدوي وقد كان حينها مديراً للأكاديمية فسألته ذات السؤال فقال لي (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كان تموت غداً) فضحكت وفهمت الرسالة.. لم تكن هذه أولى محطات معرفتي بالمرحوم الفريق أول عصمت عبد الرحمن زين العابدين ولكن التقيته غير مرة وفي أكثر من مناسبة.. لكن أهمها على الإطلاق قبيل تحرير أبيي العام 2011م حيث وصل كادوقلي ومنها بالهليكوبتر إلى المجلد وكان في معيته المرحوم الفريق جمال عمر والفريق أول صلاح عبد الخالق وآخرين للوقوف على ترتيبات استعادة أبيي.. كنت برفقة قائد الفرقة حينها اللواء الركن بشير مكي الباهي بذات الطائرة حيث تفقد القوات قبيل تحركها وكانت بقيادة العميد حينها عز الدين عثمان.. وقف رئيس الأركان على كل صغيرة وكبيرة في جاهزية القوات وكان يعطي التوجيهات هنا وهناك ويؤكد على نقاط محددة خاصة بمشاركات مجموعات المقاتلين من أبناء المسيرية (وتفلتاتهم المعلومة) وإعادتهم لكل غنائم المعركة سيما الأسلحة بمختلف العيارات.. لم يغادر المجلد بل ظل موجوداً حتى أكملت القوات تحركها وفق الخطة الموضوعة وتم تحرير أبيي بحمد الله وزرناها في معيته والتقى بممثلي بعثة اليونسفا ليغادر لاحقاً لكادوقلي بعد تصريحات نارية استهدف من خلالها الجيش الشعبي بقيادة المتمرد الحلوقبل توليه منصبه رئيس الأركان المشتركة الذي تولاه في العام 2010م وظل فيه أربع سنوات عمل الفريق عصمت رئيساً لهيئة العمليات المشتركة ثم رئيساً لأركان القوات البرية ومفتشاً عاماً للقوات المسلحة.. من قبلها قاد الفرقة السادسة مشاة الفاشر كما قاد أحد متحركات المنطقة العسكرية الاستوائية خلال عمليات صيف العبور.. بعدها استحق أن يكون ملحقاً عسكرياً بجمهورية إيران الإسلامية ولعل في تعيينه ملحقاً بإيران (تصديقاً) لما كان يقول به التمرد حينها من خلال دعايته بوجود (خبراء إيرانيين) يعملون مع القوات المسلحة وفي هذا إشارة لوجود الفريق عصمت الذي عرف (بلونه المميز) حيث يجهلون وجوده بالقوات المسلحة منذ السبيعنيات كما عمل رئيساً لشعبة العمليات بالمنطقة العسكرية الاستوائية.. أما في بواكير حياته فقد كان الفريق عصمت ضابط دروع متميّز وأكبر دليل على ذلك عمله كمعلم بمدرسة المدرعات ثم انتقاله ليكون معلماً بكلية القادة والأركان ثم معلماً بأكاديمية نميري العسكرية ومعروفٌ بالتميّز والاحترافية ومشهودٌ له بذلك كل من عمل بمجال التعليم في الكليات والمعاهد العسكرية.. بعد إحالته للتقاعد تم تعيينه وزيراً للداخلية وذلك في العام 2014م ولكن بسبب خلافات وتقاطعات هنا وهناك بينه ومدير عام الشرطة حينها استقال الفريق أول عصمت في العام 2017م ليخرج من الحياة العامة ويعود لحياته الخاصةغادر الفريق عصمت الخرطوم وتوجه للقاهرة بعيد نشوب حرب الخامس عشر من أبريل وظل بها حتى خضع لعملية جراحية لم يمكث بعدها طويلاً ليفارق الحياة في 27 سبتمبر الماضي بعد مسيرة عامرة وسيرة عطرة بالقوات المسلحة.. وضع فيه بصمات واضحات من الاحترافية والاستقامة والطهر والشجاعة فلم يعرف عنه الخوف ولا التردد بل كان سيفاً مسلطاً على التمرد أياً كان اتجاهه.. يقول الحق وبه يعمل وإليه يدعو كما عرفت عنه الغيرة الواضحة على السودان وعلى هيبة الجيش ومهنيته فما تحدث عنه أحد بسوء وقد خدم بالقوات المسلحة قرابة 45 سنة في وجهه ولا من ورائه.. ودفعته الدفعة 23 كلية حربية التي كان انصمامها للكلية الحربية العام 1970م.. ومن المفارقات أنه دفعة الفريق أول عوض أبنعوف وقد التقيته بعيد التغيير بفترة فقال لي أنه تحدث مع أبنعوف حديثاً شديد اللهجة وقرّعه أيما تقريع على استقالته (السريعة) غير المتوقعة.. رحم الله الفريق أول عصمت عبد الرحمن زين العابدين وأسكنه فسيح جناته وجعل البركة في اهله وعقبه فقد كان بحق جنرالاً من (الزمن الجميل) مضى إلى الله نقياً طاهراً ظاهراً وباطناً تاركاً خلفه كل (جميل).