في استنساخ الخطاب: عندما يُرجِع الخطاب صدى نظيرِهِ ويتكاملان

Wait 5 sec.

صلاح الزينمثل ما استلَّت الحركة الإسلامية (الكيزان) مليشيا الجنجويد من ضِلعِها، كذلك من ضلعها استلَّت مليشيا الجنجويد (تأسيس)، حتى يكون خطاب حرب أبريل 2023 خطابًا برأسَيْن لا يستعصى على المقاربة والتفكيك مقروءًا بعين “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب” وحاضنة هتافِهِ: العسكر للثكنات والجنجويد ينحل.الخطاب، أي خطاب، دوما يُوجَد جوار خطابات أخرى، في نزاعٍ أو تساكن. فللخطاب حوامل أو سقالات طبقية وفكرية تُحدِّد وترسم المشروع السياسي للخطاب.بنية الخطاب تحتوي على عدة مستويات بها تنبني بنية الخطاب واشتغالاته وتتوزع ما بين مستوىً مهيمِن وآخر مسيطر تعمل من غير تنافر لتأبيد سلطة الخطاب السياسية والفكرية. وبما يمتلكه الخطاب من طبيعة السيولة الخطابية التي تسمح لبنية الخطاب بتبادل المواقع بين مستوياته من غير الخروج عن سلطة بنية الخطاب. فقد تتحول بنية الخطاب من البنية ذات المركز الواحد لبنية بأكثر من مركز كما في خطاب حرب أبريل 2023. يتم ذلك تبعًا لما يعتري سيرورة الخطاب في مواجهة سيرورات خطابات أخرى مجاورة أو بعيدة. فقد يصل الخطاب إلى منحنىً في سيرورته الخطابية تستلزم استحداث واستلال رافعة خطابية تَهِب أَقدامَ الخطاب القدرة لخطوِ مزيدٍ من فراسخٍ خطابية.إنها تكتيكات الخطاب واستراتيجياته: تتبادل مستويات بنية الخطاب المواقع الخطابية حتى لا تخرج عن بنية سلطة الخطاب. طبيعة سيولة الخطاب تسمح بانزياحات في بنية الخطاب من غير تفتيت البنية وانهيارها.وهذا بالضبط ما فعله خطاب الحركة الإسلامية (الكيزان) حينما استلُّوا من ضلعهم قوات مليشيا الجنجويد لمحاربة حركات الكفاح المسلح في دار فور قبل حوالي ربع قرن من الزمان.الخطاب يؤجَّر ويُستأجَر. فكان أنْ استَحدَثت واستَأجرت الحركة الإسلامية قوات مليشيا الجنجويد كرافعة وطرفٍ خطابيٍّ أُنيط به محاربة حركات دار فور المسلحة وأطروحتها السياسية في الدفاع عن المهمشين. بما أصبغته عليهم سلطة الإنقاذ، ولاحقًا حكومة (قحت) من شراكة سياسية، من امتيازاتٍ اقتصادية ومالية واستحواذهم على عدة موارد: عقارات وجبال ذهب، ارتقت قوات الجنجويد من موقعها الطرفي في بنية خطاب الحركة الإسلامية إلى أن تكون أحد مستويات بنيةِ ذات الخطاب وصولًا إلى تفجير حرب أبريل 2023.حَتَّمَ الديسمبريون بشعارهم “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل” هذه الضرورة الأنطولوجيّة التساكنية.هكذا أصبح الخطاب بجسدٍ “جانوسي” ذو رأسَيْن: فلولي وجنجويدي، كلٌ يستلزم الآخر وبه يَبقى ويَفنى.انطلت على قوي الحرية والتغيير (قحت) طبيعة هذا الخطاب “الجانوسي” ذو الرأسَيْن، فلولي وجنجويدي، عندما وقَعَت، ضمن آخر، في فخ مقاربة سؤال الحرب بسؤال من أطلق الرصاصة الأولى، لتصبح الحرب مجرد “شَكْلة” تتطلب “حَجّازًا” لإيقافها.سارت (قحت) على هُدى (ضلال) هذا السؤال في كل تحوراتها وتبدلاتها الهيكلية والبنيوية انتهاءً بانشطارها إلى (صمود) و(تأسيس) في فبراير 2025.تصبح مقاربة سؤال حرب أبريل 2023 بما أسلفنا من خطأ العقل الرائي لخطاب الحرب هو هو المحايث والمسكوت عنه في ذلك الانشطار. سيبقي ذاك الانشطار أشبه بانشطار البرتقالة إلى نصفين من غير نفي كينونتها برتقالة بنصفين!!هكذا ينتقل خطاب الحرب، حرب أبريل 2023، إلى مستوىً وفضاءٍ خطابيٍّ وجغرافيٍّ من غير الخروج من سلطة الخطاب. من طبيعة بنيته يتوفر الخطاب على دربةٍ وحِيَلٍ خطابية يدير بها استراتيجيات الخطاب. ينتظم الخطاب ويتسق بانتظامِ واتساقِ مصالحِ رافعاتِهِ الطبقية والسياسة والفكرية.القرابة الطبقية لم تكن يومًا معنيةً بسؤالِ الجغرافيا والمسافة ولا حتى اختلاف لون البَشَرة والمعتقَد. فالخطاب بما له من خاصيةِ السيولة الخطابية يرمِّم بنيته الخطابية بما يمنحها فتوةً خطابيةً وأرجلًا تساعد في خطوِهِ داخل فضاءِ ذاتِ الخطاب وسلطَتِهِ. قد يتراجع الخطاب ويوهَن من غير أنْ يَفنى وينمحِق. له من العدة والعتاد الخطابي ما يعين تماسك بنيته.تسمح سهولة تبادل مستويات البنية لمواقعها الخطابية بتموضع الخطاب وتبديل رافعاته من غير الخروج عن مطلق سلطة الخطاب، مجرد قَدَمٍ ونعالٍ آخر يحملان ذات الجسد الخطابي.كما أسلفنا، تشكّلت طفولة رأس “جانيوس” الجنجويدي، منذ قرابة ربع قرن من الزمان، في براري دار فور. وقد أتَمّ الرأس الجنجويدي ما اُتفِق عليه في عقد إيجار وُقِّعَ بينه وبين الحركة الإسلامية: تنزيحٌ وإبدال، نهبٌ واغتصابٌ وإحالةُ أكثر من مليون من سكان دار فور إلى معسكرات النزوح. بعد عقدين من ذاك التاريخ انتقل الرأس الجنجويدي، وبما يسمح له موقِعُهُ في بنية الخطاب العربسلامي، من مرابِع طفولتِهِ في دار فور ليُتَمِّم ويبْلُغَ رشده الخطابي باجتياح الخرطوم وولاية الجزيرة: نهبٌ وسرقة، تقتيلٌ واغتصاب، تدميرٌ ممنهج لكل أشكال البنية التحتية والفوقية ليورِّثوا أنفسهم، كما في دار فور، كراهيةً ورفضًا لا تحدهما حدود.الخطاب لا تَعدَمَ عدته الخطابية من أدواتِ تأبيد سيطرتِهِ. فكان إعلان (تأسيس) في نيروبي في فبراير 2025 هي إحدى الحِيَل الخطابية لرأس “جانيوس” الجنجويدي بعد إخراجِه من الخرطوم وولاية الجزيرة وانكفائه نحو مرابع طفولته في براري دار فور. فالرأس الجنجويدي صعدَ من موقِعِهِ الطرفي في بنية الخطاب العربسلامي إلى مستوىً في بنيةِ ذاتِ الخطاب يَسمح له بالاستقلال الكامل في كيفيّة إدارة سلطته الخطابية كما فعل ويفعل نظيرُهُ وتوأمُهُ الفلولي. يتفارق ويتباعد رأسَيْ “جانيوس” عن بعضهما من غير أن ينخلعا عن كتف الإله وربوبية عَرشِهِ وسُلطتِهِ.توفَّرَ الرأس الجنجويدي على موارد مالية وقدرات عسكرية بتمويل من دولة الإمارات وما استحوذوا عليه سابقاً من موارد، ذهب وعقارات وشركات عابرة للبحار، ما يجعلهم أن يستعيدوا طفولة خطابهم وهُم في رشدهم: ومثلما تم استحداثُهم واستيلادُهم من ضلع الحركة الإسلامية يُمكِنُهم، بدورِهِم، استحداث طرفٍ أو أطرافٍ أخرى تحتل موقعًا طرفيًا وتكون رافعاتٍ خطابية في بنية خطابهم. فالخطاب ليس له قوامٌ ثابت وهيئة صمدية إذ إنه يعيد تشكيل جسدِهِ الخطابي بما يسمح له مَوضَعة التحولات السياسية داخل حيز سُلطته الخطابية.هكذا اُستُحدِثت (تأسيس) والتي لا تعدو أن تكون سوى حلقة من حلقات إعادة إنتاج الجنجويد وتدويرهم، مجرد حبلِ غسيلٍ تُشَرّ عليه عباءات الجنجويد وتاريخهم الدموي. تبنَّت (تأسيس) خطاب الهامش وأعلنت حكومتها التي، وياللمفارقة، برئاسةِ مَن كان يدَ الحركة الإسلامية في عسفها بمناطق الهامش وفق عقدٍ بإمضاءِ ذاتِ مَن يرأس حكومة (تأسيس)!! لِيُكتَب في التاريخ حكاية تحكي عن أسرة دقلوية المنشأ و الدم تؤَجِّر نفسها لمن يدفع، سيّان أنْ كان في الداخل أو الخارج، فشهوة الأمير “حمايتي” أن يكون الأمير “حميدتي” لا تحدها حدود.هكذا تمدد رأسا “جانيوس”، الفلولي والجنجويدي، في قرابتهما الخطابية التي ترى إلى الدولة كغنيمة حرب من غير أن تفصل بينهما الجغرافيا والطبيعة إذ جغرافية الخطاب، خطاب حرب أبريل 2023، لا تعرقل سيرورته تبدُّل الأنواء والمواسم. كِلا رأسَيْ الإله “جانيوس” معقودان بحبلِ ذات المشيمة ويرضعان من ذات الثدي، يُوحِّدهما، حد الفناء والعدم، ما قاله الديسمبريون:العسكر للثكنات والجنجويد ينحل.The post في استنساخ الخطاب: عندما يُرجِع الخطاب صدى نظيرِهِ ويتكاملان appeared first on صحيفة مداميك.