ما بين الاعتذار والتدليس والكذب والمراوغة: الطريق إلى السلام يبدأ بوضع لبنات التعافي الوطني والاجتماعي

Wait 5 sec.

بكرى الجاكفي عجالة سأعلق على فكرة الاعتذار السياسي إذ جمعني لقاء بالأمس في قناة الجزيرة مباشر مع شخص يدعي النعمان عبد الحليم متحدثا باسم حزب المؤتمر الوطني، و للأمانة انا لم اسمع بهذا الرجل من قبل و لا علم لي من يكون ربما لغيابي الطويل من البلاد بسبب نظام المؤتمر الوطني ذاته الذي حاول النعمان الاعتذار نيابة عنه هكذا و كأن الإنقاذ عبارة عن عربة بوكس و أثناء مرورها في زقاقات قرية صغيرة قامت بقطع سلك كهرباء لتوصيلة غير قانونية من عمود في قرية من قري السودان أو انها قتلت “عتود” و كأنها لم تقتل و تشرد و تعلن الجهاد علي ملايين السودانيين و ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وابادة جماعية، و كأنما الإنقاذ لم تحول جهاز الدولة إلى ضيعة للمقربين من الحزب الحاكم، بل وبلغ بهم الشأن في البجاحة أنهم أباحوا سرقة المال العام كما وصل بهم اللؤم ان تبجح أحدهم قائلا ” أن على الشعب السوداني أن يلحس كوعه إذا أراد أن يتخلص من حكم الإنقاذ”.أولا الاعتذار اذا كان بالفعل اعتذار حقيقي هو فضيلة وهو مدخل لتأسيس برنامج متكامل للعدالة الانتقالية و لكن ما يجب أن يأتي قبل الاعتذار هو الحقيقة وفيها يتم الاعتراف بكافة الجرائم السياسية و الجنائية التي ارتكبت في الحق العام و الحق الخاص وتقديم المسؤولين عنها لإجراءات التقاضي العادل ومن ثم تبدأ مرحلة جبر الضرر وتعويض المتضررين و بعدها يأتي الاعتذار والمصالحة لتعبيد الطريق لبرنامج شامل للتعافي الاجتماعي ليكون مدخلا لمصالحة وطنية شاملة تقوم على إحقاق الحق و معاقبة الجناة و إقامة العدل، و الأهم من ذلك أنه يحق للمتضررين رفض الاعتذار و المطالبة بالحقوق.ما قاله النعمان لا يعدو كونه فذلكة و استبهال و تدليس و محاولة لمجاراة التحولات الداخلية والإقليمية المتمثلة في رفض الإسلام السياسي فى الحياة العامة، فإذا كان حزب النعمان يعترف أن ما قام به الشعب السوداني في ديسمبر كان ثورة قدم فيها السودانيون أعظم التضحيات و أن السودانيين قد اسقطوا نظام المؤتمر الوطني فليخرجوا للناس ببيان يفصل ما تم في السودان من جرائم منذ عشية الجمعة ليلة الانقلاب يوم 30 يونيو 1989 وحتى هذه اللحظة بما في ذلك دورهم في تخريب المرحلة الانتقالية ومحاولة إفشالها بكافة السبل بدءا من خلق الضائقة المعيشية و انتهاءا بالانقلاب في 25 أكتوبر 2021 ومن ثم اشعال الحرب في 15 أبريل 2023. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن تقديم الاعتذار و القبول بالمحاسبة الجنائية لا تعني أن من ارتكبوا جرما من شاكلة الثلاث الكبار: أي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية، يجب أن يسمح لهم بممارسة نشاط سياسي مرة أخرى دون أن يقضوا وقت في المراجعة و في تقديم مشروع مغاير لمشروع الإقصاء و القتل و التنكيل. ما أراده النعمان هو في عشرة ثواني ان يقول انا اعتذر و قبل أن يقبل الناس أو يفهموا حقيقة ما قال ظن أنهم سامحوه و بدأ في لعب دور الضحية و ادعي أنهم دخلوا السجون و دفعوا ثمن أخطائهم وهذا القول يجافي الحقيقة و حيثيات الواقع، إذ أن ما قام به المؤتمر الوطني هو إشعال الحرب حتى تأتي لحظة “تصفير العداد” و أن البلاد قد غرقت في حمام من الدماء و أن الجميع قد أخطأ و تتم مساواة حكومة الثورة ذات الست وعشرين شهرا بنظام الإنقاذ ذو الثلاثين عاما و تساوي قحت بالكيزان، و نسي النعمان و رفاقه أنهم مازالوا يتحكمون في جهاز الدولة و أنهم من افشل المرحلة الانتقالية و انهم من يصر على استمرار هذه الحرب الآن.أما في شأن النعمان عبد الحليم نفسه فقد تواصل معي نفر كريم و ابلغوني أن النعمان نفسه كان المتهم الأول في جريمة محاولة اغتيال رئيس وزراء المرحلة الانتقالية الدكتور عبد الله حمدوك و أنه قد مكث في السجن 5 أشهر و قد أدلى باعترافات للشرطة الأمنية هو و محامية ايضا متهمة فى ذات الجريمة تدعى رويدا تعمل في جهاز الأمن والمخابرات و تقطن الحاج يوسف و كانت مسؤولة بشكل مباشر عن تفويج الشباب السودانيين للمشاركة في حرب الدواعش في سوريا و العراق و أنها تتمتع بعلاقات واسعة بالعديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية. وعلمت أيضا أن السبب في عدم المضي في التحقيق في جريمة محاولة اغتيال رئيس الوزراء هو أن كل التحقيقات أشارت إلى أن التخطيط قد تم بواسطة جهاز الأمن والمخابرات و ربما بعلم البرهان نفسه. عليه إذا كان النعمان عبد الحليم فعلا مشارك في هذه الجريمة كما ذكر أنه قد كتب في حسابه على الفيسبوك قبل حادثة التفجير أن يبدأ بالاعتراف بالحقائق و يخضع لمحاكمة عادلة أولا و من ثم يطلب الصفح من الشعب السوداني و من دكتور حمدوك وأسرته قبل ان يقوم بمحاولة مبتورة للاعتذار بشكل فوقي في عشرة ثواني، فالأصل في الاعتذار هو الأسف و الشعور بالذنب، اما الاعتذار فى نفسه يجب أن يأتي بشكل مؤسسي من حزب المؤتمر الوطني وفق رؤية متكاملة و الأهم من ذلك الآن كله هو أن يقبلوا أنه لا يوجد حل عسكري وأن يعملوا على التهدئة للوصول إلى إيقاف هذه الحرب.خلاصة القول أن ما قامت به الإنقاذ ليس بحاجة الى كتب التاريخ أو إلى المغالطة فغالبية الاحياء اليوم في السودان شهدوا تلك الفترة و رأوا فيها من العجائب ما شابت له الرؤوس، فعلي كل فصائل الإسلاميين من مؤتمر وطني و التيار الإسلامي العريض النظر في مرآة التاريخ و القبول بحقيقة أنهم فشلوا في إدارة البلاد و اضعفوا الدولة و مزقوها و هاهم الآن يمزقون ما تبقى من النسيج الاجتماعي وأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء و أن ثورة ديسمبر حدث عظيم في تاريخ البلاد، و أنهم إذا أرادوا أن يكون لهم دور في الحياة السياسية أن يعالجوا ما فعلت أيديهم بالاعتراف أولا بالجرائم و القبول بالمسؤولية الجنائية والأخلاقية لهذه الجرائم و من ثم المساهمة في بناء مشروع وطني قائم على الاعتذار و الحقيقة و المصالحة لوضع لبنات لمستقبل الدولة السودانية التي تحتفي بكل مكوناتها. افعلوا ذلك و ستجدون جل الشعب السوداني علي استعداد لتقبلكم مرة أخري كأخوة و اهل و اقارب قبل أن تكونوا فاعلين في الحياة العامة، ألا هل بلغت؟The post ما بين الاعتذار والتدليس والكذب والمراوغة: الطريق إلى السلام يبدأ بوضع لبنات التعافي الوطني والاجتماعي appeared first on صحيفة مداميك.