:: ومما يُنسب للإمام أحمد بن حنبل، عندما أمر الخليفة المعتصم بسجنه ظُلماً، قال : (بيننا وبينكم يوم الجنائزِ)، وظل يرددها طوال فترة التعذيب (30 شهراً)، وهي تعني أن حب الناس للميت وتأثيره عليهم يظهريوم الجنائز، وقد صدق، بحيث تزاحم أهل بغداد عند جنازته، فيما لم يُشيّع السجان إلا القليل..!!:: واليوم كان يوم جنازة محمد طاهر ايلا، أكرم الله مثواه و غفر له و جعل الجنة مستقره ومأواه و بارك في ذريته..ولو قُدّر لأهل السودان أن يكونوا حضوراً في التشييعلما تخلف إلا القليل، فالفقيد كان محبوباً بين الناس، ولم يسعهم بأمواله ولكن بصدقه وإخلاصه وإنجازاته وانحيازه لقضاياهم ..!!:: كنت أسمع بما يحدث في البحر من الأحمر، إلى أن زرتها في مناسبة إجتماعية، وكتبت ما رأيت..طرق، إنارة، نظافة، قوارب الصيد،و..و..فأتصل بي الأخ عبد القادر باكاش : ( إنت في البورت ؟، الوالي عايزك)، وتوجست، فالولاة لايطلبونك إلا ليوبخوك أو يشتروك، وكلاهما يستدعي الإمتناع..!!:: ولكن كان باكاش لي بالمرصاد..استقبلنا، وشكرني على ما كتبت، وقال : (كويس إنك شوفت وكتبت، كمان لو سألت أهلك ديل عايزين شنو بكون أحسن، الناس بتأخد راحتها مع الصحفيين، اعمل لي ورقة، معليش نتعبك شوية)، وقد فعلت، وكانت المياه على الصدارة، فحاربوه فيها، ومطالب أخرى وفقه الله في تنفيذ بعضها..رحمة الله كان متواضعاً، يسمع أكثر مما يتكلم..!!:: لم يكن متنطعاً، وعلى سبيل المثال،عندما كان والياً بالجزيرة، قدمت جهة ذات سطوة طلباً بتمويل ما أسموه بمشروع (الهجرة إلى الله)، بمبلغ يكفي لبناء فصول مدرسة، فنادى الشيوخ وأبلغهم بالرفض قائلاً : (المال العام دا للمسلم وغير المسلم، ماعندي مانع إنكم تهاجروا لي ربنا، لكن بقروشكم، ما بقروش الناس )، وكتبت الوقائع في ذات زاوية، غضب الشيوخ..!!:: كان يؤمن بدور المجتمع في تشكيل دولته..بالبحر الأحمر في عهده، رحلة بحث عن معلومة ذات صلة باليتامى والمعاقين، أو بالمدارس والمشافي، لم تكن تقودك إلى (وزارة)، بل تذهب بك إلى (بيت مواطن)، باعتباره رئيس لجنة كفالة اليتامى، تأهيل المعاقين، التعليم، الصحة، التجميل والتشجير.. وقد يكون الوزير المختص رئيساً للجنة أو عضواً يرأسه هذا (المواطن).. هكذا..!!:: ولايجب أن يكون المجتمع محكوماً في نهج ايلا، بل يجب أن يكون شريكاً في التمويل والتنفيذ والرقابة، أي يكون حاكماً، والسياسة عنده ( الخدمات)، ولن تجد في إرشيفه شتماً لحزب أو إساءة لخصم، بل كلها خطب تخاطب حوائج الناس..ولهذا كان أفراد المجتمع يتسابقون إلى العمل في اللجان أو إلى الإنفاق عبرها ، ثم يرون جهدهم و مالهم مشاريعاً تشهد لهم بالعطاء..!!:: وبالرهان على المجتمع نجح في تأسيس أعظم المشاريع في مجال التعليم والتنمية البشرية..مشروع الغذاء مقابل التعليم، كان يستهدف سنوياً آلاف التلاميذ، وبه تدنت نسبة التسرب في الأرياف، إذ كان أولياء الأمور يذهبون بصغارهم الي المدراس، ويرفضونهم لأنهم دون سن السادسة .. !!:: وبالرهان على المجتمع، نجح طاهر ايلا – لأول مرة في تاريخ التعليم بالبحر الأحمر- في مساواة عدد الطالبات مع عدد الطلاب في إمتحان الشهادة الثانوية.. وكما تعلمون فإن ثقافة مجتمعات بالبحر بالأحمر كانت ترفض أوتتحفظ على تعليم البنات، ولم تعد كذلك..!!:: وكان علي آدم نموذجاً للشاب العاجز عن زيارة أصحابه وجيرانه والتجول في شوارع مدينته، ولذلك أدمعت عيناه ذات ظهيرة و هو يستلم مفتاح عربته ويغادر إلى رحاب المدينة (لأول مرة منذ ميلاده)، و هناك الآلاف من المعاقين حركياً، تم دمجهم في المجتمع.. وكان طاهر ايلا يشرف على كل هذا بلا من أو أذى أو شتم الأحزاب و الأمريكان ..!!:: وظل إبراهيم أحمد عاطلاً عن العمل بعد أن أكل الدهر على عربته وشرب، ولذلك كان فرحاً في تلك الظهيرة وهو يستلم مفتاح التاكسي (موديل العام)، وهناك المئات من رفاقه، مكنتهم سياسة طاهر ايلا على إمتلاك التكاسي الجديدة بأقساط رمزية، لم يُسجن سائقاً طوال سنوات المشروع، و كان يتم كل هذا بلا صخب..!!:: و كان صديق و أولاده يعملون أجراء في مركب صيد، ثم عانقوا بعضهم عندما إمتلكوا قارب صيد حديث من نهج طاهر ايلا، وهناك المئات من رفاق صديق، إمتلكوا قوارب الصيد بدعم وتحفيز، وتم هذا بلا صخب وتنطع أومزايدة..وإبراهيم وصديق و آدم هم الآلاف التي تزاحمت اليوم لوداع ..طيّب الله ثراك حفيد دقنة، وبارك في ذريتك وأهلك وعشيرتك .