هاربون من العدالة

Wait 5 sec.

بقلم عمر العمربما أنهم لا يقرأون التاريخ يعيدون إنتاج خطاياهم .لذلك يظل ملف دارفور أطول الأضابير حضوراً على منصات العدالة الدولية . المتهمون فيها هم أنفسهم الدولة من القاعدة إلى الرأس و صنيعتها الميليشيا بكل لفيفها .ربما ثمة جرائم أشنع توحشاً، أفظع انتهاكًا لحقوق الإنسان وأكثر ضحايا ،كما في فلسطين ، بورندي ، الكونغو ويوغسلافيا .لكن قضية دارفور شغلت منصات العدالة والسياسة أكثر من غيرها . كما تستغرق زمنا أطول منهن . فالملف السوداني لم يواكب فقط تطور هيئات العدالة الدولية بل ربما ساهم كذلك في تكييف تدابيرها الإجرائية وتأطير العلاقات فيما بينها . لأن تطبيق القانون الدولي لا يتم بمعزل عن الأبعاد السياسية على الصعيد الدولي فقد ظلت ملفات دارفور متداولة بين لجنة-مجلس- حقوق الانسان، الجمعية العامة للأمم المتحدة ، مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية . فهناك غير سابقة قانونية سياسية في تضاعيف ملف دارفور . من ذلك أول حالة إحالة من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية و أصبح عمر البشير أول رئيس يصدر أمر باعتقاله وهو على سدة السلطة. لعل الفاشر تضيف بادرة جديدة .*******عشرون عاماً ولا تزال دارفور مفتوحةً على الجرائم ذاتها : جريمة الإبادة الجماعية ، جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية . عشرون عاما وأزيد والقتلة هم القتلة أنفسهم . كلهم يتوحشون في التعذيب ،في التقتيل في التجويع، في العنف الجنسي وفي التدمير . عشرون عامًا وأكثر ولا يزال المشهد مفتوحًا على تبادلِ الأدوار بين السفاحين القتلة .أحيانا حلفاء وأحيانا أعداء بينما الضحايا هم الضحايا ؛ الفسيفساء القبلية الدارفورية .حينما تُغيّب العمليةّ السياسية السلمية قسرًا تضعف هيبةُ الدولة و إن جنحت إلى التوغل في العنف . القمع مهما توحّش لا يؤمّن سلامًا .بل يخلّق فوضى . فالعنف لا يولّد إلا عنفًا . أكثر من ذلك خرابًا فتحُ الحرب في الداخل النوافذ و الأبواب أمام التدخل الخارجي في أشكال متباينة و مناهج متغايرة . الغافل من لا يدرك ذلك حتى وإن لم يقرأ التاريخ فالواقع كتاب مفتوح ناطق .لكن الوطن لم يكن همُ الزمرةِ القابضة على ماكينة السلطة . بل هي لاتزال مفتونة بالامتيازات والثروة.*******لذلك طلب مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية في يوليو ٢٠٠٨ اعتقال الرئيس البشير تحت طائلة المسؤولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم الثلاثة الشنيعة في حق ثلاث قبائل . اوكامبو برر طلب مثول البشير أمام المحكمة الدولية بعد توجيه عشرة اتهامات ولتفادي تدخله على نحو يعرقل التحقيقات أو يعطّل إجراءات المحاكمة . هذه سابقة تحرّض القتلة المتورطين في فظائع دارفور لاحقًا ثم الفاشر خاصةً على رفض لجنة تقصي الحقائق المكلّفة من قبل مجلس جنيف لحقوق الإنسان في أحداث الفاشر المُنكَرة بإجماع دولي . فمن لا يتذكر التاريخ يسقط في مستنقع الدم كمن هو أعمى .لكنه لا يفلت من العقاب . أمواج الغضب العالية تصاعدت في جنبات العالم للفظائع المرتكبة في الفاشر .أمواج تتراوح من الاستنكار إلى التجريم . تلك أهوال من الجرائم لها أعداد من الشهود يمشون على الأرض كما لها أعداد من الشهداء عاجزين عن المشي تحت أوجاع التشوهات الجسدية والنفسية.*******لكن السلطة العسكرية في بورتسودان اتخذت من دون العالم حجابا ومن ورائه موقفًا مضادا . فهي ترفض قرار المجلس الدولي لحقوق الإنسان بإرسال لجنة للتقصي في الفظائع المرتكبة في الفاشر ! ! ! . لعل بورتسودان استهدفت في سياق موجات الاستنكار العالية فقط صدور إدانة معممة من مجلس جنيف . ففي سياق حملة الاستنكار العالمية تَمثُل الميليشيا وحدها في مرمى الإدانة. لكن المجلس ذهب أبعد من ذلك مستهدفًا العدالة . فالقرار طلب من اللجنة عدم الاكتفاء بتبيان الانتهاكات اللاإنسانية فقط بل تحديد الأفراد المسؤولين عن ارتكابها بغية مساءلتهم قانونيًا . كما حضّ القرار اللجنة الإفادة من جهود الجهات ذات العلاقة بالمسألة . هذا الرفض الرسمي مبنيٌ على رفض مسبّق لجهود لجنة مكلّفة من مجلس جنيف نفسه منذ أكتوبر ٢٠٢٣ بتقصي انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق السودان . هذه حصيلة لابد للجنة المحدد تكليفها بالفاشر من تضمينها في تقريرها المحدد سقفه الزماني فبراير العام المقبل . هذه اللجنة ثلاثية الأركان بينهم القاضي التنزاني محمد شاندي وهو شغل سابقا منصب المقرر الخاص للسودان ومنى رشماوي وقد عملت من قبل على الجبهة السودانية في لجنة تقصي الحقائق. كلاهما يلمّان بتفاصيل القضية وأبطالها .*******لهذا فإن لجنة الفاشر المكلفة تستطيع أداء مهمتها على أفضل ما يمكن تحت سقفها المحدد . لكن وفقًا لآلية هيئات المنظمة الأممية ينبغي إحالة قرار مجلس حقوق الإنسان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ،حال اقتناعه بحتمية مساءلة مرتكبي الانتهاكات . فإن تبنت الجمعية العامة تقرير المجلس تحيله بدورها إلى مجلس الأمن .فإذا ما رأى المجلس محاكمة المتهمين يحيله بدوره إلى المحكمة الجنائية الدولية . هده الخطوة تتطلب تمرير مشروع القرار داخل مجلس الأمن عدون اعتراض من الخمسة الكبار . هي دورة بيروقراطية مطولّة فوق تعقيداتها . لكنها ليست عصية على الإنجاز كما حدث مع تدابير محاكمة البشير . أكثر من ذلك من الممكن اختزال الدورة المطولة – كما أوضح مدير معهد جنيف لحقوق الإنسان نزار عبد القادر حاج صالح – إذا ما رأى مجلس الأمن خطورة الانتهاكات في الفاشر وما حولها تهديدا للسلم والأمن الدوليين .هذا المعهد بين ٢٣ منظمة غير حكومية شاركت في دورة مجلس حقوق الإنسان المخصصة للفاشر.*******ربما ما يحدث في كردفان لا يقل انتهاكات عمّا يقع في دارفور في شأن حقوق الإنسان ولا تقل تداعياته خطورة على السلم والأمن الدوليين . هو بالطبع أفدح آلاما و خسارة على الشعب السوداني .الحرب في دارفور لها بعد منسي عمداً إذ هي كذلك حربٌ المتورطون في أتونها مسلحون بالإفلاس الأخلاقي وهو في الوقت نفسه أحد محاورها الملتهبة .كلهم يتآمرون على حقوق الجوعى والمرضى في الغذاء والدواء بالمتاريس والمتاجرة . جميعهم يجاهدون للإفلات من العدالة فيرفضون لجان التقصي والمساءلة .The post هاربون من العدالة appeared first on صحيفة مداميك.