بين الحرب والثورة: كيف يُستعاد الحراك الجماهيري؟

Wait 5 sec.

امير الزين نور الدائمفي لحظة بالغة الحساسية من تاريخ السودان، يبرز إعلان تنسيقية قوى الثورة السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية كأحد المؤشرات الإيجابية النادرة وسط مشهد تحكمه الحرب والانهيار. فدعوتها إلى توحيد القوى الثورية وتصعيد العمل المشترك، بما يستند إلى مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة، تعيد طرح السؤال المركزي: كيف يمكن إعادة بناء الحراك الجماهيري واستعادة المسار الذي انقطع مرارًا خلال السنوات الماضية؟منذ اندلاع الثورة، واجه السودانيون سلسلة من الخيبات السياسية: ثورة عظيمة، ثم خيانة الانتقال المدني، ثم انقلاب، ثم حرب لا تبقي ولا تذر. هذه الضربات المتلاحقة دفعت قطاعات واسعة من المواطنين إلى الانكفاء عن الفضاء العام، وتراجع الاهتمام بالشأن السياسي مقارنة بسنوات الحماس الأولى. حتى الفئات التي كانت في مقدمة الفعل الثوري—من طلاب ومهنيين ولجان مقاومة ومهاجرين—تآكل حضورها نتيجة ضغوط المعيشة، وتحديات النزوح والهجرة، والانقسام المجتمعي حول الحرب.لكن حالة الانكفاء هذه لا تعكس غيابًا حقيقيًا للاهتمام بالوطن؛ بل تُقرأ كاستجابة نفسية – اجتماعية طبيعية لحرب ممتدة وصدمة جماعية وفقدان الثقة في جدوى الفعل السياسي. إنها حالة انتقالية مرتبطة بالصدمة، وليست نهاية الحراك. فالشعب الذي فاجأ العالم مرتين بثورتين، يظل قادرًا على النهوض حين يُظن أنه استسلم.ومع ذلك، فإن استعادة الحراك الجماهيري تبدو اليوم مشروطة بأمرين مترابطين تلازمًا جدليًا: وقف الحرب واستعادة مسار ثورة ديسمبر. فلا يمكن للحرب أن تنتج سلامًا، لأنها بطبيعتها تعيد السلطة إلى فوهة السلاح وتقصي الصوت المدني. ولا يمكن للسلام أن يترسخ دون العودة إلى مبادئ ديسمبر: الحرية والعدالة والدولة المدنية. إن إنهاء الحرب ليس مجرد خطوة إنسانية، بل هو المدخل الضروري لإحياء المشروع الثوري نفسه.ولأجل ذلك، فإن استعادة المسار الثوري ليست فعلًا شعاريًا، بل عملية سياسية واضحة تتطلب:أولًا: وقف الحرب عبر مسار مدني مستقل يمنع إعادة إنتاج التسويات والمحاصصات .ثانيًا: إنهاء هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسة والدولة، وإصلاح عقيدة الجيش، ودمج أو حلّ جميع القوات غير النظامية.ثالثًا: بناء جبهة مدنية موحدة على أساس برنامج، لا محاصصة.رابعًا: إعادة تأسيس الشرعية الثورية عبر لجان مقاومة ديمقراطية، ونقابات مهنية حقيقية، وشارع منظم قادر على التأثير لا مجرد الاحتجاج.خامسًا: تبني مشروع وطني متكامل يعالج جذور الفقر والتهميش، ويعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية مستقلة.سادسًا: التمسك بالعدالة الانتقالية باعتبارها شرطًا لبناء الثقة والسلام، لا بندًا تفاوضيًا قابلاً للمساومة.سابعًا: ترميم الثقة بين الجماهير والقوى السياسية عبر الشفافية والمحاسبة والوضوح.إن بناء القوة الاجتماعية للثورة اليوم لم يعد رفاهية، بل ضرورة للبقاء السياسي. فالثورة ليست هتافات ولا لحظات غضب عابرة، بل بناء مؤسسات مقاومة، وتطوير وعي سياسي وتنظيمي، وصياغة خطاب موحّد يستند إلى معرفة واضحة ومرجعية مشتركة.ويبقى الهدف المركزي هو الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية تُدار عبر حكومة مدنية كاملة الصلاحيات، ودستور انتقالي ديمقراطي، وتفكيك شامل لمؤسسات النظام القديم، ثم انتخابات حرّة تُدار بعقلية إصلاحية لا بذهنية “التسوية”.إن استعادة الحراك الجماهيري ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة. فهي تبدأ بإعادة الاعتبار لإرادة الشعب، وبتذكّر أن ثورة ديسمبر لم تكن حدثًا عابرًا، بل وعدًا مؤجلاً يمكن أن يتحقق متى توحدت الإرادة وتكامل الفعل.The post بين الحرب والثورة: كيف يُستعاد الحراك الجماهيري؟ appeared first on صحيفة مداميك.