في مساء العشرين من نوفمبر عام 1995، ظهرت فضيحة متكاملة غير عادية في القصر الملكي البريطاني، كانت عبارة عن مقابلة تلفزيونية ستغير حياة العائلة الملكية بشكل نهائي. جلسَت الأميرة ديانا، أميرة ويلز، أمام كاميرات برنامج "بانوراما" على قناة "بي بي سي"، لتتحادث مع الصحفي مارتن بشير في حوار لم يكن مضمونه مجرد أحاديث عادية في مقابلة إعلامية عابرة، بل كان اعترافا صادما سيهز أركان أقدم ملكية في العالم.لم تكن ديانا تخاطب الصحفي وحده، بل كانت تتحدث إلى ملايين المشاهدين حول العالم، ورفعت بذلك ستائر الكتمان التي ظلّت تحيط بالعائلة المالكة لعقود.ما بدا كحوار اعتيادي سرعان ما تحول إلى كشف مذهل للحقائق، حيث انهمرت كلمات ديانا كشلال من الاعترافات الصادمة. اعترفت بوجود خلافات عميقة بينها وبين الأمير تشارلز، مؤكدةً شائعات الخيانة الزوجية وعلاقته بكاميلا باركر بولز. لكنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزت كل التوقعات عندما تحدثت بصراحة غير مسبوقة عن معاناتها الشخصية مع الاكتئاب والشره المرضي وإيذاء النفس، مواضيع كانت تُعتبر من المحرمات بالنسبة لعلية القوم. كانت ديانا تكسر القواعد بكل شجاعة، مُبددة الأوهام عن صورة العائلة المالكة المثالية. كانت الاعترافات علاوة على ما سببته من صدمة للجمهور، زلزالا مدويا داخل القصر الملكي. أسئلة بشير المباشرة والمحفزة نزلت كالمطرقة على أوجاع ديانا المختبئة. سألها: "هل أصبحتِ مشكلة بالنسبة لهم؟" لترد بالموافقة، معترفةً بأنها كانت تشعر بأنها "أصبحت العدو الأول لبريطانيا". كانت كل كلمة تنطق بها ديانا تشكل تحديا جريئا للمؤسسة الملكية التي احتمت بالصمت قرونا.تداعيات هذه المقابلة هبت كعاصفة هوجاء. بعد شهرٍ واحد فقط من بثها، أرسلت الملكة إليزابيث الثانية رسالة إلى تشارلز وديانا تحثهما على إنهاء إجراءات الطلاق. كانت الرسالة بمثابة ضربة أخيرة لعلاقة زوجية متداعية، لكن العواقب امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك. علاقة ديانا بطفليها الأميرين ويليام وهاري، اللذين كانا يبلغان 13 و11 عاما، تعرضت لتصدع عنيف. اعترفت ديانا لاحقا بأنها ندمت على تلك المقابلة لأنها أدت إلى أول شجار كبير مع ابنها الأكبر ويليام، الذي شعر بالحرج الشديد من المعلومات التي كشفتها والدته، ولم يصدق أنها دعت كاميرات التلفزيون إلى المنزل، وفتحت أمامها علنا نافذة واسعة على تفاصيل حياتهم الخاصة.الغضب داخل القصر الملكي تجاوز ردود الفعل المباشرة، فقد غضبت الأميرة مارغريت، شقيقة الملكة، من ديانا بعد بث المقابلة، ومنعت المجلات من نشر صورها. أما الملكة إليزابيث الثانية، فوصفت تصرفات ديانا سرا بأنها "مروعة للغاية"، معتبرة أن زوجة ابنها نشرت "غسيل الأمير تشارلز القذر" وحولت تاريخ العائلة إلى مسلسل درامي. وفي مشهد يكشف الكثير، شاهدت كاميلا باركر بولز، عشيقة الأمير تشارلز، البرنامج على شاشة التلفزيون و"ضحكت من مسرحية مقابلة أميرة ويلز". لكن القصة الحقيقية وراء هذه المقابلة المثيرة للجدل لم تُكشف إلا بعد سنوات، عندما أثبت تحقيق أُجري عام 2021 أن الإعلامي بشير ضلّل ديانا عمدا لضمان إجراء المقابلة. استخدم الصحفي أساليب خادعة لكسب ثقة الأميرة، بما في ذلك تزوير كشوفات حسابات بنكية، ما زاد من ارتيابها من خضوعها للمراقبة. هذه التفاصيل تضيف المزيد من المأساوية إلى القصة، حيث تظهر كيف استُخدمت ديانا في لعبة إعلامية قذرة.رغم كل هذه العواصف، تبقى مقابلة ديانا مع بشير وثيقة إنسانية فريدة، كشفت عن امرأة عانت في صمت وتحدت التقاليد لتكسر حاجز الصمت. تصريحاتها في المقابلة رسمت صورة لأميرة مختلفة، قالت: "أتمنى أن أكون ملكة القلوب، لكنني لا أرى نفسي ملكة هذا البلد". اعترفت بأنها لا تلتزم بالقواعد، وأن الجميع يعتبرها تهديدا، لكنها أكدت أنها هنا لفعل الخير. كانت فخورة بأنها "أول فرد في العائلة المالكة يبكي ويطلب المساعدة علنا". هذه المقابلة لم تكن مجرد حدث إعلامي، بل كانت لحظة تحول في تاريخ العلاقة بين العائلة المالكة والبريطانيين، حيث انتقلت بصورة نهائية من القداسة غير القابلة للمساءلة إلى البشرية المعرضة للضعف والأخطاء. كانت ديانا ترغب في أن يفهم أبناؤها "مشاعر الناس، وهشاشتهم، ومعاناتهم، وآمالهم، وأحلامهم"، وهذا بالضبط ما حاولت تحقيقه من خلال كسرها للمحظورات.اليوم، بعد عقود على هذه المقابلة التاريخية، تبقى ديانا الأميرة التي تحدثت من القلب. امرأة قالت: "أنا لا أتبع القواعد، بل أستمع إلى قلبي لا إلى عقلي". المرأة التي رأت أن "أعظم مرض في هذه الأيام هو شعور الناس بعدم الحب". رغبت في أن تكون "أينما ترى المعاناة، حاضرة لأفعل كل ما بوسعي".رغم كل ما أحاط بالمقابلة من جدل وخداع، تظل كلمات ديانا شاهدة على روح إنسانية حساسة تحدثت بصدق نادر، محاولةً تغيير نظام متصلب من داخله. كانت بالفعل "ملكة القلوب" التي أرادت أن تكونها، امرأة سبقت عصرها، تحدثت عن أمراض نفسية كان المجتمع يرفض الاعتراف بها، وتحدت تقاليد بالية في مؤسسة عريقة، تاركةً وراءها إرثا إنسانيا سيظل محفورا على جدار التاريخ.المصدر: RT