وجدي كاملالآن، وبعد ما استجدّ من طلب وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان من الرئيس الأميركي دونالد ترامب التدخّل شخصيًا لوضع نهاية للحرب الدائرة في السودان، يبدو أن اللحظة قد أصبحت مناسبة لإعادة توصيف مهمة السيد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي، والتي اضطلعت بها «الرباعية» خلال الأسابيع الماضية. فقد اتّجهت تلك المهمة، في جوهرها، إلى التركيز على البعد الإنساني، عبر خارطة طريق تبدأ بوقف إطلاق نار إنساني وتشمل مبادرات متعددة، من ضمنها مبادرة الاتحاد الأفريقي.وأكد بولس، منذ البداية، أن تحرّكه لا يلغي مبادرات الآخرين، وأن مهمته تعتمد الضغط الدبلوماسي وتتجنب الحلول القسرية، بما فيها التدخّل العسكري. إلا أنّ مبادرته شهدت في الأيام الأخيرة حالة من البطء وربما الجمود، وهو ما جعل نتائجها لا تلامس مستوى التعقيد المتصاعد على الأرض.تباينت ردود الأفعال على خطوة وليّ العهد السعودي. فهناك من يرى أن مبادرة «رباعية بولس» انتهت فعليًا، وأن ما بعد طلب ابن سلمان هو لحظة انتقال لمرحلة مختلفة. وهناك من يعتبر أن التطوّر ليس إلغاءً لما سبق، بل تحوّل في مستوى إدارة الملف. أما القراءة الأقرب إلى الواقع، في تقديرنا، فهي أن مجهودات بولس ستُصطحَب إلى مستوى أعلى، ولكن بدافع إدخال الملف في سياق لعبة النفوذ ومبحث المزايا الاستراتيجية للولايات المتحدة، بحيث لا يكون التدخّل الأميركي مجرد معالجة إنسانية تستند إلى أدوات دبلوماسية تقليدية، بل يستند أيضًا إلى وزن سياسي وضغط أكبر ومصلحة شخصية لدعم موقف ترامب ك ” صانع للسلام” كما ينهمك الرجل في لعب دور كهذا.السعودية، عبر طلب وليّ عهدها، بدت وكأنها تدفع باتجاه تغيير مستوى الاهتمام الأميركي. وقد يكون ذلك ناتجًا عن:١- الرفض السياسي للبطء القائم: فمع تفاقم الوضع الإنساني، بدا أن التحرك الدبلوماسي عبر بولس لا يحقق نتائج ملموسة بالسرعة المطلوبة، وهو ما قد يفسر رغبة الرياض في استدعاء التدخّل الرئاسي المباشر.٢- الرهان على نفوذ ترامب: بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، فإن مداخل ترامب السياسية وقنوات تأثيره تختلف تمامًا عن مداخل مستشاره، ما يجعل تدخله أداةً أسرع في تحريك الأطراف وضبط الإيقاع الإقليمي.٣- تغيير فهم واشنطن للصراع: فقد صرّح ترامب بعد لقائه بوليّ العهد بأنه «فهم الجديد» من تاريخ السودان، وأنه لم يعُد ينظر للصراع بالعين نفسها. وهذا يعني أن السعودية نجحت في جعل الملف أكثر قربًا من دائرة اهتمام الرئيس، ليس كصراع بعيد، بل كقضية ذات أبعاد إنسانية وجيو–استراتيجية معًا.وفي الوقت ذاته، يشير هذا التطور إلى أن مهمة بولس، رغم أهميتها الإنسانية، لم تكن تمتلك الوزن الكافي لتحويل الحرب في السودان إلى أولوية قصوى في واشنطن، إلى أن جرى رفع الملف إلى مستوى الرئيس شخصيًا.لكن التدخّل الرئاسي الأميركي، إذا لم يُدار بالتوازن المطلوب، قد يواجه عقبات كبيرة. فالأزمة السودانية لا تتعلق فقط بطرفَي الصراع المباشرين، بل تمتد إلى شبكة مصالح محلية معقدة — من إسلاميين ” اخوان مسلمين يحتكرون صناعة القرار السياسي” ، وقبائل متحالفة، وقوى ميدانية مسلحة لحركات عسكرية وميليشيات— إضافة إلى نفوذ إقليمي متشابك ومتفاقم كلما يوم. وفي ظل هذه البنية المتداخلة، فإن أي انحراف في إدارة الملف قد يقود إلى نتائج عكسية، وربما يدفع السودان نحو مسار أسوأ مما هو عليه الآن.إن لحظة التدخّل الجديدة قد تحمل فرصًا، لكنها تحمل أيضًا مخاطر كبيرة. وما سيحدد مسارها هو قدرة الفاعلين — أميركيين وإقليميين — على إدراك أن الطريق إلى إنهاء الحرب لا يمر فقط عبر أدوات النفوذ، بل عبر إدارة دقيقة للوقائع على الأرض وللمصالح المتشابكة التي تحكم المشهد السوداني اليوم.وعليه، فإن الحكمة في إدارة التدخّل الأميركي المرتقب تُصبح أمرًا محوريًا لا يقل أهمية عن الحسابات الاستراتيجية نفسها. فالتعامل مع الحرب في السودان لا يعني الضغط على الأطراف المتحاربة فقط، بل يتطلب إدارة حوار سياسي ذكي، حقيقي، يضع المدنيين، ومصالح قوى الثورة والتغيير في قلب تشكيل مستقبل البلاد، ويمنع الانزلاق إلى مزيد من التعقيد.The post التدخّل الأميركي المرتقب: من الإنساني إلى تفعيل لعبة النفوذ بخارطة سياسية ومزايا استراتيجية appeared first on صحيفة مداميك.