عزمي عبد الرازق يكتب: ما الذي سيحدث بعد خطاب البرهان؟

Wait 5 sec.

أطلق الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، رصاصة الرحمة على «الرباعية»، وعبر فوقها بحذاءٍ ثقيل، كاشفاً على نحوٍ غير مسبوق حقيقةَ دور مسعد بولص، كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، إذ اتضح من وقائع المباحثات السرية، وما رشح من كواليس التدوين الدبلوماسي، أن الرجل ليس سوى مقاول سياسي إماراتي، يحمل الأجندة ذاتها التي تتبناها المليشيا الجنجويدية، ويسعى من حيث أتى إلى هدم الدولة السودانية وتشريد شعبها ونهب مواردها، أو بالأحرى عبارة عن فولكر جديد.لا شك أن ورقة «الرباعية» هي الغطاء الذي تتحرك من خلفه تلك الأجندات الشريرة، ولذلك كان خطاب البرهان أمام قادة المنظومة العسكرية والأمنية، بمثابة إعلان موقف موحد — شعبياً ورسمياً — لمواجهة هذا العدوان بكل حيله وأدواته.ومن المرجح أن تُقابل أبوظبي هذا التحول بتفعيل أدواتها التقليدية، بدءاً من تعبئة منصّات «تقدم» و«صمود»، مروراً بضخ أصواتٍ إعلامية على شاكلة نانسي عجاج وراشد نبأ وسندالة والمذيعة نادين وتسابيح والمخرج محمد الكردفاني وغيرهم، لإعادة ترديد الأسطوانة المشروخة: «جيش الفلول الرافض للسلام»، والتعويل على كلمات عفى عليها الزمن مثل: «سوف يُقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً»، ذات العبارة التي يتبناها بعض تلاميذ محمود محمد طه، مع تصعيد إعلامي مفضوح، يتطلب مزيداً من الدراهم في جيوب كومبرادورات مرتبطين بمشروع دقلو وشخبوط.لعل أهم عبارة وردت في خطاب البرهان «نحن وأصدقاؤنا وشركاؤنا متفقون على أن الحل الوحيد هو نهاية هذه المليشيا»، وهي عبارة مفتاحية تتقاطع مع أجندة بولص وحمدوك، لكنها تمثل مطلب ملايين السودانيين الذين قدّموا تضحيات جسيمة من أجل استئصال هذا السرطان، وهى أيضاً تكشف حقيقة أن السودان ليس وحيداً، فالمملكة العربية السعودية — بكل وزنها السياسي والاقتصادي والديني — رمت بثقلها خلف وحدة السودان وسلامة أراضيه، وذلك بعد أن أدركت خطورة مشروع التقسيم، وتهديد ممرات البحر الأحمر والأمن الإقليمي، في حال لم يتم التخلص من بندقية المليشيا الإرهابية، وما يختبئ خلفها، وهى قناعة راسخة لدى المملكة، وتحظى بدعم مصر وتركيا وربما قطر، ولذلك دفع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ثمناً باهظاً في سبيل إنقاذ السودان من الانهيار.عسكرياً، فإن الجيش والقوات المساندة باتوا على أهبة الاستعداد لخوض معركة التحرير في كردفان ودارفور، في وقتٍ فشلت مغامرة آل دقلو العسكرية ومرتزقتهم، وكذلك مسيراتهم الاستراتيجية في تحقيق مآربهم. أما سياسياً، فإن طريق السلام — إن كان هناك من يرغب فيه — سوف ينهض على «خارطة الطريق» والمبادرة السعودية الأميركية، بعيداً عن أجندة مسعد بولص، السمسار الجديد وصاحب شركات الشاحنات والمعدات الثقيلة.وبالتالي، فإن الجيش والشعب اليوم يقفان على قلب رجل واحد، مدفوعين بالحق والقدرة على مقاومة هذا المشروع الاستعماري، وللمرة الأولى منذ سنوات تقريباً، يدخل السودان طوعاً في الحلف السعودي، وهو دخول يستلزم إصلاحات داخلية ستتكشف ملامحها مع مطلع العام القادم، وصولاً إلى شراكة استراتيجية تُنهي تدريجياً حالة القطيعة مع الغرب.