الإسلاميون ورفض السلام: هل يمكن ربط بقاء السودان ببقاء جماعة؟

Wait 5 sec.

مهدي داود الخليفةلم يكن مفاجئًا أن تعلن الحركة الإسلامية السودانية رفضها القاطع لبيان الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) الداعي إلى وقف الحرب والدخول في عملية انتقالية شاملة خلال تسعة أشهر. فهذه الحركة، التي ارتبط تاريخها بمشاريع الحرب والانقسام، ما زالت ترى في استمرار الصراع الضمانة الوحيدة لبقائها السياسي.لقد استقبل طيف واسع من السودانيين، المنهكين من سنوات الحرب والدمار، بيان الرباعية بقدر من الترحيب والأمل. لكن الإسلاميين سارعوا إلى وصفه بـ”مشروع وصاية” و”محاولة لتركيع السودان”، ورفعوا شعارات “حرب الكرامة” كغطاء لاستمرار القتال.لكن السؤال البديهي: أي كرامة تُبنى على ملايين النازحين و اللاجئين، وعلى انهيار الاقتصاد و تفكيك الدولة و مؤسساتها، وعلى مجاعة تفتك بالبلاد و تهديد وجود السودان ذاته على خريطة العالم؟من أراد الكرامة، فكرامة السودان و السودانيون في السلام العادل، الوحدة الوطنية، والدولة المدنية الديمقراطية، لا في حرب عبثية بلا نهاية.اللافت أن الإسلاميين يربطون أنفسهم دائمًا ببقاء السودان ذاته، علما بانه عند استقلال السودان لم يكن لجماعة الاخوان المسلمين او فكر حسن البنا اي وجود يذكر علي الساحة السودانية. فكما صوّروا انفصال الجنوب عام 2011 كـ”خيار استراتيجي”، يقدّمون اليوم استمرار الحرب كـ”ضمانة للاستقلال والسيادة”. والحقيقة أن السودان أكبر من أي جماعة سياسية، ومصيره لا يمكن أن يُختزل في بقاء أو زوال الحركة الإسلامية.صحيح ان ، نهاية الحرب قد تعني نهاية الحركة الإسلامية كقوة مسيطرة، لأن هذه الحركة لم تبنِ مشروعاً وطنياً جامعاً قائماً علي المواطنة المتساوية ، بل اسست سلطتها عبر سياسات الحرب والتمكين والإقصاء مما قوض اسس الوحدة الوطنية.السودان لن ينهض إلا عبر مشروع وطني مدني جامع يقوم على المواطنة والعدالة والسلام، لا عبر شعارات “الجهاد” أو “الكرامة”- التي جرى توظيفها لخدمة أجندة سياسية وتبرير استمرار القتل والدمار – أن تكون أساساً لمستقبل البلاد.إن الحرب الدائرة اليوم ليست حربًا لحماية السودان، بل حربًا في جوهرها معركة لإطالة عمر مشروع سياسي أفقدته ممارساته شرعيته على جميع المستويات: الشعبية، والإقليمية، والدولية.بيان الرباعية لا يمكن قراءته كمحاولة لتركيع السودان، بل كخطوة استباقية لإنقاذه من خطر التفكك. فالمقترحات الواردة فيه – هدنة إنسانية، وقف إطلاق نار دائم، عملية انتقالية شاملة – ليست أدوات لإضعاف السودان، بل ضمانات لبقائه.إن من يرفض هذه المبادرة لا يدافع عن السيادة، بل يدافع عن الامتيازات الضيقة لنخبة عسكرية وسياسية ارتبطت بالفساد و الدماء .من الواضح أن نهاية الحرب قد تضع الحركة الإسلامية أمام سؤال وجودي. إذ لطالما ارتبطت قوتها بإدامة الصراع، والسيطرة على الجيش، وتعبئة المجتمع بشعارات “الجهاد” و”المؤامرة”. أما في ظل وقف الحرب، وقيام مشروع وطني مدني جامع، فلن تجد هذه الحركة مكانًا تقليديًا لها.لكن هذه الحقيقة لا تعني نهاية الإسلام السياسي في السودان، بقدر ما تعني نهاية هيمنة حركة بعينها، فشلت في إدارة التنوع وبناء دولة عادلة.المعركة الحقيقية ليست بين الإسلاميين والرباعية، ولا بين السيادة الوطنية والتدخل الأجنبي، بل بين استمرار الحرب أو بناء سلام وطني شامل.الطريق الوحيد لحماية السودان هو وقف الحرب، فتح الممرات الإنسانية، والبدء في عملية انتقالية مدنية تضع مصلحة الشعب فوق مصالح النخب المتصارعة.إن ربط بقاء السودان ببقاء الحركة الإسلامية ليس سوى وهم سياسي. أما الحقيقة فهي أن السودان لن ينهض إلا عبر مشروع جامع يقوم علىالسلام،المواطنة،والديمقراطية،مشروع يتجاوز الماضي، ويصنع مستقبلًا جديدًا لشعب أنهكته الحرب.أن الخيار اليوم ليس بين الرباعية والإسلاميين، بل بين استمرار الحرب أو بناء سلام وطني شامل.The post الإسلاميون ورفض السلام: هل يمكن ربط بقاء السودان ببقاء جماعة؟ appeared first on صحيفة مداميك.