ذكريات الشقاوة.. من غير تفكير بوتين؟ وبماذا استهواه العمل الاستخباراتي؟

Wait 5 sec.

نشرت وكالة "تاس" مقالا لأرينا كوستينا تناول ذكريات الدراسة و"الشقاوة" التي مر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وجاء في المقال المنشور على موقع الوكالة:دائما ما وصف فلاديمير بوتين الأب ابنه فلاديمير "بالكسل"، حيث اعتاد "فولوديا" (تدليل فلاديمير بالروسية) على التأخر عن المدرسة برغم أنها كانت تقع بجوار منزله. لم يقبل فولوديا في حركة رواد الكشافة على الفور بسبب مشاغباته، وفي انتقاله من الصف الرابع إلى الخامس الابتدائي رسب في مادتين.اليوم، يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن "الطريق الوحيد لمحاربة الكسل هو الشروع في العمل"، وها نحن نروي قصة تحول تلميذ المدرسة في لينينغراد فولوديا بوتين الذي كان يطمح للعمل في جهاز الاستخبارات."كان بالطبع مشاغبا" فيرا غوريفيتش http://putin.kremlin.ru/bio يقول بوتين: "كان والدي يراقب عداد الكهرباء بانتظام، يتفقد كل كوبييك، حتى يتمكن من الدفع في الموعد المحدد، عدا ونقدا كامل قيمة فاتورة الكهرباء". ويتابع: "لا زلت أحتفظ بتلك العادة: ألا أترك الأضواء مضاءة. تعودت منذ نعومة أظفاري أن أطفئ الأنوار دائما مع خروجي من أي غرفة".نشأ الرئيس الروسي في شقة مشتركة بمدينة لينينغراد، بلا مكان للاستحمام أو مصعد، وبتدفئة تعمل بالحطب. كانت عائلته بسيطة من الطبقة العاملة، وكان والده صارما، إلا أن "جوا من المحبة"، كما وصفه بوتين، كان يلف العائلة. يتابع الرئيس في فيلم "بوتين" الذي أخرجه مدير عام وكالة "تاس": "لم أسمع والدي قط بتلفظ بلفظة نابية أمامي ولو مرة واحدة في حياتي". ومع أن الرئيس اليوم قد يسمح لنفسه باستخدام لغة حادة، لكنه لا يستخدمها إلى بحق نفسه عندما يكون غير راض عن أدائه: "ثمة خطيئة كهذه في روسيا. لنصل من أجلها". http://putin.kremlin.ru/bio وشأنه شأن جميع تلاميذ لينينغراد كان بوتين يلعب "الاستغماية"، وكان طالبا متواضع التحصيل في المدرسة الابتدائية ومثيرا للمشاكل. تقول معلمته للغة الألمانية ومعلمة الفصل من الصف الخامس إلى الثامن فيرا غوريفيتش: "كان يتغيب عن الحصص، ويفتح كل باب، ويصرخ: كو كو ها أنا ذا! كان بالطبع مشاغبا، مفعما بالحيوية والنشاط". بفضل مذكراتها "فلاديمير بوتين: آباء. أصدقاء. معلمون"، التي نشرت مقتطفات منها على الإنترنت، أصبحنا نعرف بعض القصص من سنوات دراسة الرئيس. تبلغ المعلمة الآن 91 عاما، وتلميذها السابق 72 عاما، وما زالا يلتقيان بانتظام.وبحسب فيرا غوريفيتش، كان فولوديا، خلال فترة الاستراحة التي تتراوح بين 5-10 دقائق "يزور كل طوابق المدرسة والكافتيريا ويصعد وينزل الدرج عدة مرات ويسابق الأطفال الأكبر سنا في الممرات، بل ويشاركهم المشاجرات". كان أصغر الأولاد في الحي، لكنه كان قادرا على الرد إذا ما اندلع الشجار. وكما تقول المعلمة، لم يكن "مهاجما ولا مهينا ولا متنمرا ولا أي شيء من هذا القبيل"، وإنما كان ببساطة "يدافع دائما، يدافع عن الجميع".ولا يخفي الرئيس نفسه تلك المبادئ التي تعلمها من طفولته، والتي توجه سياساته اليوم: "تعلمت من الشارع في لينينغراد قاعدة واحدة: إذا كان القتال لا مفر منه، عليك أن تبادر بالضربة الأولى".وقد روى الرئيس بوتين قصة طفولته مرة أخرى مع أندريه كوندراشوف، حيث كان ينزل درج بنايته السكنية ذات يوم من الأيام، ورأى فأرا، قرر مطاردته. وكان أن حصر بوتين الفأر في الركن، فاستدار الفأر ومضى يطارد بوتين، ويتابع الرئيس متذكرا: "لم يكتف الفأر بمطاردتي وإنما حاول القفز على رأسي من درج إلى درج، ومن طابق إلى طابق"، وأضاف: "علينا أن نتذكر ألا نحاصر أحدا في الزاوية". http://putin.kremlin.ru/bio "سأنتهي من الواجب في غضون ساعة"تتذكر فيرا غوريفيتش: "لطالما قلت له يا بوتين تذكر، بإمكاني إعادتك إلى صف سابق إذا لم تبذل جهدا كافيا في المدرسة الابتدائية، لذا اجلس، ادرس، واعمل بتركيز". وعندما بدأت غوريفيتش تدريس الصف الخامس، لم يرغب الصف بداية في قبولها، بدت صغيرة جدا. كانوا صاخبين ومشاغبين يطلقون صيحات الاستهجان، ثم تتذكر المعلمة أن فولوديا نهر الصف قائلا: "كفى جلبة، لسنا قطيعا من الأبقار في نهاية المطاف"، ونجح الأمر فيما بعد.جاءت فيرا غوريفيتش للقاء أولياء أمور طلابها والاطلاع على ظروفهم المعيشية. وعندما زارت عائلة بوتين، سألتها والدة بوتين: "هل أخطأ في المدرسة مجددا؟"، وسأل الأب: "ماذا فعل ابني الكسول؟" ولم يكن الطالب قد بدأ واجباته المدرسية بعد. وعندما وجه توبيخا له قال بوتين متذمرا: "لو كان الأمر يستحق. بإمكاني الانتهاء من جميع واجباتي المدرسية في ساعة واحدة".وبفضل تأثير معلمته، بدأ بوتين يتحول من طالب متكاسل إلى طالب أكثر اجتهادا. بدأ بممارسة الملاكمة. ويتابع الرئيس: "هناك كسروا أنفي، وبينما كان الأنف يتعافى، انتقلت إلى المصارعة".كان والداه يعارضان التحاقه بالمصارعة، كان والده يفضل أن يتعلم ابنه العزف على آلة البيان (آلة روسية تشبه الأكورديون). يتذكر بوتين: "قالا إن المصارعة أشبه بالعراك، لذا لا يجب ألا تخوضها". ثم أقنعهما مدرب الجودو أناتولي راخلين بعكس ذلك، حيث جاء إلى منزلهما خصيصا للتحدث. بهذا الشأن يتابع بوتين: "لقد انتشلني أناتولي راخلين من الشارع، من ألعاب الحوش. ومن خلال منحي فرصة ممارسة الرياضة، غير عقليتي وأولويات حياتي بشكل كبير. وبهذا المعنى، أثر على مصيري ومستقبلي". في الصف السادس، حصل بوتين أخيرا على ربطة عنق حمراء (التحق برواد الكشافة). ويتابع فلاديمير بوتين: "قبل ذلك لم أقبل في الرواد لإني كنت مثيرا للمشاكل".كان فولوديا بوتين يحضر نادي فيرا غوريفيتش للغة الألمانية، مع أنه فكر في تركه ذات مرة. اقترب من المعلمة وسألها: "هل كل ألماني فاشي؟". وبعد محادثة مطولة، قرر: "كلا، حسنا، سأتعلم الألمانية". ونجح في ذلك: عندما كان الكبار يأتون إلى النادي، كانت المعلمة تطلب من بوتين إلقاء كلمة، فكان يقول: "فليتحدث من يريد بدلا مني!"، وتتابع غوريفيتش ضاحكة: "الآن، بعدما أصبح رئيسا ينبغي أن يخطب ويتحدث، أتذكر الآن تلك اللحظات وأفكر في نفسي: فلتحاول الآن الفرار من الخطابة!". http://putin.kremlin.ru/bio بسبب البطولات، لم يتمكن بوتين أحيانا من الذهاب في رحلات المشي مع زملائه في الصف، لكنه كان يجدهم دائما بعد أن يقيموا مخيمهم. تتذكر فيرا غوريفيتش أنه ظهر ذات مرة بينما كان الأطفال يحضّرون طعام الغداء. وعندما سئل عن كيفية عثوره عليهم، أجاب: "بالرائحة، كانت رائحة حساء البورش الذي نتناوله، والتي ملأت المكان، هي التي قادتني إليكم". ولا يزال بوتين يحب هذا الحساء، حتى أنه قدمه لصديقه الصيني شي جين بينغ.بالمناسبة، كان والد الرئيس، كما يتذكر، مولعا بالطبخ: "كان يطبخ أشهى المأكولات الشهيرة في بطرسبورغ ولينينغراد". اليوم، يقدم لضيوف الكرملين أشهى أنواع الأطباق والمثلجات، إلا أن بوتين نفسه لا زال يستمتع بالطعام البسيط، واعترف بتناوله العصيدة يوميا."أن تذهب لتطلب: أريد أن أصبح جاسوسا"يقول أحد زملاء بوتين السابقين: "كان دائما أنيقا، يرتدي قميصا أزرق مكويا وربطة عنق".لا يزال بوتين يرتدي قمصانا مكوية حتى الآن. في عام 2021، وخلال "الخط المباشر مع الرئيس"، شكر مغسلة الملابس التي تعتني بملابسه في منطقة أوغاريوفو (حيث تقع إحدى مقار السكن الرئاسي)، فقال: "نادرا ما أراهم. لكنني دائما ما أعجب بنتائج عملهم. أقولها دون أدنى سخرية. لأنني عندما أرتدي هذه القمصان، تبدو وكأنها خرجت للتو من المتجر".لكن هذا يتعلق بالمدرسة الثانوية، حيث تخرج الرئيس من مدرسة مختلفة (كانت مدرسته السابقة مدرسة لثماني سنوات فقط). درس العلوم السياسية وكتابة المقالات بإتقان حتى أن معلمه أرسل إحدى مقالاته لتقرأ في الإذاعة. لم يسمح أبدا بالغش، وكان جميع زملائه في الفصل يعلمون أنه يريد أن يعمل في جهاز الاستخبارات.قال لاحقا: "في الواقع، من الصعب جدا أن تتقدم وتقول (أريد أن أصبح جاسوسا) فيتم تجنيدك. لم يحدث هذا معي". ووفقا لفيرا غوريفيتش، فقد قام بوتين بزيارة "البيت الكبير" (مبنى جهاز االكي جي بي في مدينة لينينغراد) أثناء دراسته، ونُصح حينها بالحصول على تعليم جيد في مجال الإنسانيات.اعترف بوتين بأنه مفتون بـ "رومانسية خدمة الوطن": "لطالما جذبتني فكرة أن مجموعة صغيرة، شخص أو اثنان، قادرة على التأثير على مجرى معارك بأكملها، بل والتأثير على مصير ربما آلاف الأشخاص". لكن مدرب الجودو أناتولي راكلين حاول ثنيه عن ذلك، حيث قال: "ما حاجتك إلى ذلك؟ يوجد معهد الهندسة الميكانيكية التابع لأحد المصانع. وهي مهنة يمكن أن تجمع بينها وبين قتال الجودو". http://putin.kremlin.ru/bio ظل الجودو جزءا لا يتجزأ من حياة بوتين، لكنه رفض دراسة الهندسة الميكانيكية والتحق بكلية الحقوق جامعة لينينغراد الحكومية. لم يكن طالبا متفوقا هناك، لكنه كان مجتهدا. يروي أستاذ القانون الروماني البروفيسور يوري تولستوي، في فيلم كوندراشوف: "ربما بالغت في الأمر، لكنه حصل في بداية الأمر على تقدير مقبول، لكنه أعاد الامتحان".لكن هذا "المقبول" لم يمنع الرئيس من الاتصال لاحقا بالمعلم وتهنئته بعيد ميلاده. لكن فيرا غوريفيتش، معلمة الرئيس، هي من كانت في حيرة من أمرها، حيث لم تعرف كيف تخاطبه بعد انتخابه رئيسا، إلا أنه قال لها: "بالنسبة لك، كنت دائما، وما زلت، وسأظل فولوديا بوتين". في عام 2024، حضرت فيرا غوريفيتش حفل تنصيب تلميذها السابق، وهذا العام، حضرت موكب النصر. تقول غوريفيتش: "ليس من حقي تقييم قراراته، مع أنني كنت معلمته. الآن، ربما أصبح هو معلمي".في عام 2016، خلال حلقة من برنامج "الخط المباشر مع الرئيس"، سأل أحد التلاميذ الرئيس بوتين عن المؤسسة التعليمية التي ينبغي أن يلتحق بها كي يصبح رئيسا. ومع أن الزعيم الروسي نفسه كان يكره الدراسة في السابق، إلا أنه أجاب بصرامة: "أي مؤسسة. لكن الأهم، أن تدرس جيدا".المصدر: تاس