في تقدم علمي قد يحمل أملا جديدا لمرضى أحد أخطر أنواع سرطان الدماغ، اكتشف باحثون في جامعة سيدني الآلية التي تمكن خلايا ورم الغلوبلاستوما من النجاة من العلاج والعودة مجددا. ويعد هذا الورم العدواني، الذي يبلغ متوسط بقاء المصابين به على قيد الحياة نحو 15 شهرا فقط، من أكثر أنواع السرطان مقاومة للعلاج، إذ فشلت أكثر من 1250 تجربة سريرية خلال العقدين الماضيين في تحقيق تحسن ملموس في فرص المرضى.وتكمن المفارقة العلمية في أن الخلايا السرطانية تعتمد في بقائها على جين لم يكن معروفا سابقا إلا بدوره في الخصوبة والإنجاب. فخلال العلاج الكيميائي، تلجأ مجموعة صغيرة من الخلايا المقاومة، المعروفة باسم "الخلايا المستمرة"، إلى استغلال الجين PRDM9، الذي ينشط عادة في المراحل الأولى من تكوّن البويضات والحيوانات المنوية. ويعمل هذا الجين كدرع واق، إذ يحفّز إنتاج الكوليسترول الذي يحمي الخلايا السرطانية ويسمح لها بالنجاة من العلاج، قبل أن تعيد بناء الورم من جديد.وتوضح البروفيسورة لينكا مونيوز، قائدة فريق البحث من مركز تشارلز بيركنز بجامعة سيدني، أهمية هذا الاكتشاف قائلة: "هذه هي المرة الأولى التي نكتشف فيها ارتباطا مباشرا بين جين مرتبط بالخصوبة وانتكاس السرطان. لقد كشفنا خدعة البقاء التي تستخدمها آخر الخلايا السرطانية المقاومة، ونعمل الآن على إيجاد طرق لتعطيلها". ويعمل الفريق البحثي حاليًا بالتعاون مع شركة "سينتارا" الأسترالية للتكنولوجيا الحيوية على تطوير أدوية تثبط عمل جين PRDM9، تمهيدًا لاختبارها على النماذج الحيوانية، على أمل الانتقال لاحقا إلى التجارب السريرية على البشر.وأظهرت التجارب الأولية نتائج واعدة، إذ أدى تثبيط هذا الجين أو حرمان الخلايا من الكوليسترول إلى القضاء على الخلايا المستمرة في المختبر. وعند دمج هذه الاستراتيجية مع العلاج الكيميائي التقليدي، تحسنت معدلات البقاء على قيد الحياة بشكل ملحوظ في التجارب التي أُجريت على الفئران.كما طوّر الفريق دواء جديدا للعلاج الكيميائي يحمل اسم WJA88، يتميز بقدرته على اختراق الدماغ. وعند استخدامه بالتزامن مع أدوية خافضة للكوليسترول معتمدة مسبقًا، لوحظ تقلّص الأورام وإطالة عمر النماذج المخبرية، مع آثار جانبية محدودة.ويأمل الباحثون أن يمتد تأثير هذا الاكتشاف إلى أنواع أخرى من السرطان المقاومة للعلاج، حيث يخططون لاختبار الآلية نفسها في مكافحة سرطان المبيض في المرحلة التالية من أبحاثهم. ويؤكد هذا التطور العلمي أهمية تغيير النهج المتبع في أبحاث السرطان، عبر الانتقال من التركيز على الورم الرئيسي إلى دراسة الخلايا المقاومة النادرة المسؤولة عن الانتكاس، وفهم ما يحدث بعد انتهاء العلاج، وليس أثناءه فقط.ورغم أن التجارب البشرية لا تزال على بعد سنوات، وتتطلب اختبارات مكثفة للسلامة والفعالية، فإن هذا الاكتشاف يمثل بارقة أمل حقيقية في مواجهة ورم دماغي شرس أودى بحياة مئات الآلاف حول العالم، وقد يفتح آفاقا جديدة تغيّر مستقبل علاج الأورام الصلبة بشكل جذري.المصدر: ميديكال إكسبريس