الواثق كميرمقدمةعلى مدى العامين الماضيين، أخفقت كل محاولات الوساطة الإقليمية والدولية لحل الأزمة السودانية. تكررت الدعوات للاجتماعات، وأُطلقت المبادرات، لكن الخلافات حول الأطراف المشاركة وغياب التنسيق جعلت أي اجتماع مرشحاً للفشل قبل انعقاده.هكذا، مرة أخرى، تعثرت محاولة جديدة لجمع الفرقاء السياسيين السودانيين، بعدما تم تأجيل الاجتماع الذي دعت إليه الإيقاد والاتحاد الأفريقي في جيبوتي بين 16 و18 ديسمبر الجاري، بمؤازرة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.ويبرز من هذا السياق أن الإيقاد والاتحاد الأفريقي، بعد حضور ممثليهما جلسات منبر جدة في أكتوبر 2023 (موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي حينذاك، وورقنه قبيو، السكرتير التنفيذي للإيقاد). المنظمتان لم “ينزعا الملف” من المنبر فحسب، بل تجاوزا المرجعية من تفاوض عسكري يركز على وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، لا علاقة له بالمسار السياسي بحكم نص البيان، إلى مرجعية جديدة: تفاوض بين البرهان وحميدتي تنظمه الإيقاد، إلى جانب حوار سياسي شامل يُعد له وينظمه الاتحاد الأفريقي.فما إن أعلنت الوساطة عن انهيار المفاوضات في 4 ديسمبر، حتى بادرت الإيقاد بعقد قمة استثنائية في 9 ديسمبر في جيبوتي، مع التركيز على لقاء البرهان وحميدتي، الذي لم يتحقق طوال عامين، كرمز لموضع السلطة المباشر على وقف الحرب.أسباب الفشلويعكس استمرار أزمة العملية السياسية الخلاف المستمر حول من يشارك ومن يُستبعد من هذه العملية، وهو السبب الذي عرقل معظم الاجتماعات السابقة خلال العامين الماضيين. ففي الدعوات الأولى واجه الاتحاد الأفريقي والإيقاد صعوبة في حسم مسألة مشاركة الإسلاميين ومعايير تعريفهم، بينما في الاجتماعات الأحدث أصبح الخلاف يتمحور حول مشاركة تحالف “تأسيس” أو قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تكرار الإرجاء أو الانهيار قبل انعقاد الاجتماعات.وتتبع سلسلة الدعوات والاجتماعات البارزة للاتحاد الأفريقي والإيقاد للفرقاء السياسيين السودانيين يظهر حجم المحاولات غير المثمرة:يوليو 2023: أول اجتماعات مع القوى السياسية للتمهيد لمسار الاتحاد الأفريقي.1. سبتمبر 2023: اجتماعات توازت مع إعلان اللجنة الرباعية (12 سبتمبر).2. نوفمبر 2023 – فبراير 2024: لقاءات دورية مع القوى المدنية الرئيسية، تعثرت بسبب عدم الاتفاق على قائمة المشاركين.3-4 أغسطس – سبتمبر 2024: محاولة جمع الأطراف مجدداً، التركيز على الخلاف حول مشاركة الإسلاميين.5. يونيو 2025: دعوة موسعة للقوى السياسية، فشل بسبب رفض مشاركة تحالف “تأسيس”.6. 16–18 ديسمبر 2025: آخر اجتماع كان مقرراً في جيبوتي، تأجل بسبب نفس الخلاف حول المشاركين.على هذا الخلفية، لم تعد الأزمة سياسية داخلية فقط، بل امتدت لتشمل تضارب مسارات الوساطة الإقليمية والدولية. فقد انخرطت اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) في الملف السوداني بإعلانها الصادر في 12 سبتمبر 2023، مؤكدة على وقف الحرب وحماية المدنيين، بينما ركز الاتحاد الأفريقي والإيقاد على إطلاق عملية سياسية شاملة. هذا التباين في الأولويات، وغياب آلية فعالة للتنسيق بين المسارين، خلق حالة من الإرباك لدى الوسطاء والقوى السودانية على حد سواء.تضاف إلى ذلك أزمة مقبولية الإيقاد لدى حكومة السودان، خصوصاً أن معظم الدول المنضوية في المنظمة، تُنظر إليها باعتبارها غير محايدة أو معادية، مع انسحاب إريتريا – الدولة الوحيدة التي كانت تمثل استثناء نسبياً – من عضوية الإيقاد في 12 ديسمبر الجاري، ما أضعف قدرة المنظمة على لعب دور مقبول وفعّال. في ظل هذه الظروف، يصبح من الصعب الحديث عن وساطة فاعلة، حتى لو استمر عقد الاجتماعات أو إطلاق المبادرات.تاريخياً، بالرغم من الخلافات السياسية وتضارب المصالح بين الدول الأعضاء في المُنظمة، يكاد الاستثناء الوحيد الكبير في سجل الإيقاد في الوساطة التي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل (CPA) عام 2005، وهو بالطبع نجاحٌ لم يكن نتاجاً لقوة المنظمة بقدر ما كان ثمرة ظروف استثنائية: وجود دولة عضو تحظى بقبول طرفي النزاع آنذاك، هي كينيا، ووسيط يتمتع بثقل سياسي وقدرة على الحسم، هو الجنرال لازارو سامبويو، إضافة إلى دعم دولي مباشر وحاسم من الترويكا (الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج). أما اليوم، في ظل غياب هذه العوامل، يبدو الفشل المتكرر للإيقاد والاتحاد الأفريقي أقرب إلى القاعدة منه إلى الاستثناء.تحديات الوساطةويكشف تتبع سلسلة الدعوات والاجتماعات الست البارزة – من يوليو 2023 حتى ديسمبر 2025 – عن تطور أسباب التعثر: من خلاف حول مشاركة الإسلاميين في البداية، إلى جدل حول تمثيل القوى المدنية، ثم صدام حول مشاركة التحالفات العسكرية الحالية مثل الدعم السريع وتحالف “تأسيس”. هذا التطور يعكس ليس فقط غياب توافق سوداني–سوداني، بل أيضاً غياب توافق بين الوسطاء الإقليميين والدوليين أنفسهم، مما جعل أي اجتماع مهدداً بالفشل قبل انعقاده.إن استمرار تعدد المنصات دون تنسيق فعّال، وتضارب الأولويات بين الاتحاد الأفريقي والإيقاد من جهة، ولجنة الرباعية من جهة أخرى، يجعل أي عملية سياسية مرشحة للتعثر قبل أن تبدأ. ومن دون: 1) معايير واضحة للمشاركة، 2) وساطة مقبولة من كل الأطراف، و3) قدرة على الانتقال من المشاورات إلى القرار، ستظل الاجتماعات تتوالى والفشل يتكرر، بينما تفرض الحرب على الأرض إيقاعها الخاص بعيداً عن قاعات التفاوض.خلاصةما تسعى إليه الإيقاد والاتحاد الأفريقي اليوم ليس مجرد وساطة، بل استعادة ملف فقداه لصالح مسار جدة، لكنهما يواجهان عوامل بنيوية تقيد قدرتهما على النجاح. وفي ظل غياب التوافق السوداني–السوداني وخلاف الفرقاء السياسيين حول قضايا رئيسة، وضعف الوسيط الإقليمي، وتضارب المبادرات بين المسارات الإقليمية والدولية، يبدو أن أي عملية سياسية “شاملة” ستبقى معلقة بلا أفق واضح، في حين تستمر الحرب في فرض معطيات جديدة تزيد من تعقيد أي مسار تفاوضي مستقبليتورونتو، 15 ديسمبر 2025 The post حرب السودان: إخفاق الوساطة الإقليمية وأفق مغلق! appeared first on صحيفة مداميك.