ترجمة د. عصام محجوب الماحينقلاً عن صحيفة (ليبرتاتيا) الرومانية واسِعة الانتشار حيث كتب سورين أوزون:ليلة الجنرالات. كيف استطاعت المجموعة العسكرية “الغُربان”، التابِعة لموسكو، أنْ تُسهِم في ثورة إيون إيليسكو وما هي تفاصيل سردية “وجود إرهابيين” للدفاع نظام شاوشيسكو؟“الإرهابيون” ونظرية المؤامرة:كانت ليلة 23 إلى 24 ديسمبر 1989 من أكثر الليالي غموضًا وإثارةً للريبة خلال الثورة. قُتل ثمانية جنود من الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب، استُدعوا إلى مقر وزارة الدفاع الوطني، وعُرِضت جُثثهم باعتبارِها لإرهابيين.لسوء الحظ، وقع العديد من عمليات التضليل في تلك الأيام، أسفر بعضها عن سقوط قتلى. لنتذكّر المظليين من بوزاو (بقيادة تروتسوليسكو، الذي اشتهر لاحقًا بقضية تهريب الدخان المعروفة باسم – سيجاريتا) الذين استُدعوا أيضا للدفاع عن وزارة الدفاع الوطني، ونتذكّر أيضا طلاب الأكاديمية الفنية العسكرية الذين أُرسلوا أيضًا إلى وزارة الدفاع الوطني، ومقاتلي USLA – وحدة العمليات الخاصة لمكافحة الإرهاب من ماقوريلي-، أو حادثة مطار أوتوبيني.في جميع تلك الحالات، أُرْسٍلت قوات للدفاع عن هدف، وكان هناك بالفعل جنود من الجيش تواجدوا هناك للدفاع عن الموقع فوجدوا أنفسهم يتعرضون لهجوم من قبل “إرهابيين”، ثبت لاحِقاً أنّهم زملاء من وحدات عسكرية اخرى.ولم تتّضِح الأمور حتّى يومنا هذا، بعد مرور 36 عامًا على الأحداث المأساوية، فيما يتعلّق بحادثة مقاتلي الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب، وهناك العديد من الفرضيات التي تزيد من الغموض وتُبقي على نظريات المؤامرة وسيناريو الارهابين لأغراض أخرى، وقد راح ضحية ذلك عدد كبير من الشباب والجنود.* المجزرة التي وقعت مساء 23 ديسمبر 1989:في وقتِ مُتأخِّر من مساء ذلك اليوم، كان المُقدّم جورجي تروسكا في مقرِّ وحدة العمليات الخاصة مكافحة الإرهاب في بانياسا، بعد عودته مباشرة من مُهِمة استطلاع في قصر الهاتف. وكان برفقته ضباط آخرون، ينتظرون الأوامِر من القيادة العسكرية الموحّدة المُشكّلة حديثًا والمُتَمَرْكِزة في مقرِّ وزارة الدفاع الوطني الكائنة في حي (درومول تابيري). لجأت القيادة المؤقّتة للبلاد إلى هناك، حيث كانت شائعات هجمات “المخربين – الارهابيين” أو الوحدات شبه العسكرية تنتشِر باستِمرار، بلْ وردت أنباء مؤكّدة عن إطلاق نار موجّه نحو مبنى الوزارة نفسها.حوالي الساعة العاشرة مساءً، وبناءً على طلب وزير الدفاع الجديد، الجنرال نيكولاي ميليتارو، أمَر العقيد جورجي أرديليانو، رئيس وحدة العمليات الخاصة لمكافحة الارهاب (الذي كان قد وصل أيضًا إلى مبنى وزارة الدفاع الوطني)، فريقًا مُتخصِّصًا في تحديد، والقضاء على، “الإرهابيين” المحتملين، والتوجّه إلى درومول تابيري لتطهير المنطقة.قام جورجي تروسكا، تحت قيادته وقيادة الرائد يوجين كوتونا، بتنظيم ثلاث مركبات مُدرّعة للتدخُّل، وهي في الواقع سيارات دورية ماركة (ارو) مُجهّزة بأسلحة ودروع ضعيفة نسبيًا. وكان جميع المقاتلين الآخرين في المجموعة من ضباط الصف في الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب. وشمِلت الأوامر أيضًا أخذ المواطن المدني كونستانتين إيزاك، الذي أصبح عضوا في مجلس جبهة الإنقاذ الوطني، من الطريق ونقله إلى وزارة الدفاع الوطني.حوالي منتصف الليل، وصلت إلى وزارة الدفاع الوطني مركبتان والثالثة تعطلت وبقيت في منطقة محطة السكة الحديد الشمالية، واتصل تروسكا بمركز العمليات مُبلغًا بوصولهم وانتظارهم التعليمات.طُلب منهم إرسال إشارات ضوئية للتعرّف عليهم. في تلك اللحظة، توجّهت دبابة من منظومة الدفاع التابعة للوزارة (والتي تضم أكثر من 25 دبابة، و15 مركِبة مُدرّعة، ومدافِع مضادة للطائرات، ونحو 500 جندي، بينهم مظليون) نحوهم، ثُمّ فتحت النار على المركبة التي كان تروسكا يستقِلّها. قُتِل ثمانية من مقاتلي الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب ودُهسوا تحت جنازير الدبابات.حدث كل هذا لأنّ الجنود الذين يحرسون الوزارة كانوا قد تلقوا أمرًا عامًا، صدر قبل ذلك بوقتٍ طويلٍ من الجنرال ميليتارو، بـ”إطلاق النار على العناصِر المشبوهة”، لكنهم لمْ يُبلّغوا بوصول مركبات الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب. تمّ إخفاء المعلومات إمّا بسبب الارتباك العام أو عن قصد.الأمر المؤكّد هو أنّ جورجي تروسكا، يوجين تراندفير كوتونا، أندريه اشتيفان، إيون مويكارو، إميل أوبريا، فلورين-كونستانتين سورباتيانو، تيودور نياقوي وإيون كوستاكي، لقوا حتفهم، واعتُبروا إرهابيين لفترة طويلة بعد هذه الحادثة المأساوية.* هل كان العمل مُدبّراً أم حادثاً؟:السؤال الرئيسي الذي بقي دون إجابة هو: لماذا قُتِل جنود الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب الثمانية، بقيادة المُقدّم جورجي تروسكا؟المؤرخ مادالين هودور، أحد الذين درسوا تلك الحادثة، جمع العديد من الحقائق والشهادات، لا سيما شهادات العسكريين في الجهاز الدفاعي بوزارة الدفاع، ونشر سلسلة من المقالات.خلّص هودور إلى أنّه “على الرغم من أنّنا لا نستطيع استِبعاد فرضية العمل المُدبّر، حتى مع الأخذ في الاعتبار تاريخ الحادثة والظروف المحيطة بها، فإنّ التفسير الأكثر ترجيحًا هو أنْ قتل تروسكا ومَن معه كانت نتيجة لتسرع جورجي أرديليانو وقِلّة تبصّره، إذ كان مُهتمّاً في المقام الأوّل بإنقاذ نفسه وكسب ثقة “أسياده” الجدد. وحِرصًا منه على تأكيد “ولائه”، استدعى أرديليانو مجموعة تروسكا وإيزاك إلى مقرِّ قيادة الجيش الوطني لإظهار أنّ وحدته تقِف إلى جانِب “الثورة”، لكنه لم يُبلغ فرقة الدفاع بتغيير الأوامر وتعديل المسار المُحدّد. وبقية القتلى تولاهم “القنّاصة” من أسطح البنايات في الأحياء، مُتّبعين السيناريو الذي تكرّر في الأيام السابقة مع فرقة تروتوليسكو وطلاب الأكاديمية الفنية العسكرية، وردّ فِعل الجنود في لأي استفزاز.حاول أرديليانو التستُر على الحادثة، مُتظاهِرًا بتأثّره بقتل رجاله حتى لا يُشتبه به. كان بإمكانه، أثناء وقوع الأحداث، على الأقل محاولة إيقاف إطلاق النار وإخبار فرقة الدفاع عن الوزارة بهوية جنود الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب. لكنه لمْ يفعل ذلك لأنّ هذا كان سيُعتبر بمثابة اعتراف ذاتي، وكان سيكشِفه كمصدر لأمرٍ غير مصرح به. ولمْ يفعل شيئًا لمنع تدنيس الجُثث في الشارع وتحويلهم إلى “إرهابيين”.كان هذا، على الأقل في الوقت الراهن، خيارًا مُناسِبًا يُغطيه ليتعامل مع بقية التفاصيل لاحِقًا. وبالنسبة لجورجي تروسكا، سواء كان ذلك مُدبّرًا أمْ لا، كان ذنب أرديليانو لا يرقى إليه الشكِّ. ولهذا السبب نطق بالعبارة التي سمعتها الرقيبة كريستينا فاسيلي من الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب، التي استمعت للمحادثات أثناء المُهِمة: “لقد أرسلتني إلى حتفي، أيها الخائن!”. ولمْ يكُنْ يُشير إلى نيكولاي ميليتارو.* لماذا كان يجِب تصفية المقدم تروسكا؟:هنالك نظرية أخرى، أقرب لفهم ما حدث، حيث انتشرت رواية مفادها أنّ المتهم الرئيسي هو الجنرال نيكولاي ميليتارو.عُيّن ميليتارو وزيرًا للدفاع شفهيًا من قبل إيون إيليسكو في ليلة 23 ديسمبر 1989، وكان ميليتارو ومَن حوله مهتمين بشكل مباشر بإسكات جورجي تروسكا.بصفته ضابطًا في مكافحة التجسّس، يُزعم أنّ تروسكا عمل على ملف “الغُربان”، الذي كشف قبل الثورة عن صلات العديد من أعضاء المجموعة التي شكّلت السُلطة الجديدة، بأجهِزة المخابرات السوفيتية.يؤيّد هذه الرواية العديد من الشهود، بمَن فيهم فيليب تيودوريسكو، عقيد في جهاز الأمن (سيكوريتاتي) ونائب رئيس سابِق للدائرة الثالثة لمكافحة التجسّس، ونيكولاي يوسوب، ضابط سابِق في جهاز الأمن – مكافحة التجسّس العسكري، وحتّى نائب وزير الدفاع حينها فيكتور أتاناسي ستانكوليسكو وفيرجيل ماقوريانو، أوّل مدير لجهاز المعلومات (المخابرات) الروماني (SRI)، بالإضافة إلى ضباط آخرين من الجيش أو جهاز الأمن وعدد من المؤرخين.كشاهِد، أدلى نيكولاي يوسوب، الضابط السابق في جهاز الأمن، بشهادته في قضية الثورة، قائلاً إنّ ملف “الغُربان” احتوى على أدلة تمّ الحصول عليها من خلال عمل استخباراتي لعناصر من وحدة الاستخبارات ( (UM 0110حول سلسلة من ضُباط الجيش الذين كانت لهم صلات بأجهزة المخابرات السوفيتية. ومن بين الشخصيات المذكورة في الملف، الجنرال نيكولاي ميليتارو، الذي ظهر بالاسم الرمزي “ميليكا”. ويُزعَم أنّ ميليتارو كان جزءًا من شبكة تضُمّ ضُباطًا رفيعي المستوى في الجيش تحت سيطرة جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU)، المعروف سابقًا باسم جهاز المخابرات السوفيتية (KGB)، كما ارتبط بهذه الشبكة عدد من المدنيين، من بينهم إيون إيليسكو وفيرجيل ماقوريانو. وكان هدف هذه المجموعة الإطاحة بشاوشيسكو، بدعمٍ من موسكو.ويُزعَم أنّ ضابط مكافحة التجسّس جورجي تروسكا كشف هذه الشبكة من خلال ملف “الغُربان”، الذي وصل في النهاية إلى مكتب شاوشيسكو. وخوفًا من انتقام السوفيت، منع شاوشيسكو اتخاذ أي إجراءات جذرية، وأمر بتدابير وقائية فقط. أي أنّه تمّ إبلاغ الأشخاص المعنيين بأنّهم مراقبون، ثُمّ جرى تهميشهم.على سبيل المثال، نيكولاي ميليتارو الذي أصبح في رتبة لواء عام 1974 وقائد الجيش الثاني، نُقِل عام 1978 من منصبه العسكري إلى الاحتياط بعد كشفه كعميل للمخابرات العسكرية الروسية، وعُيّن نائبًا لوزير الإنشاءات الصناعية.وصرّح فيليب تيودوريسكو (الذي اتُهم بالمشاركة في قمع ثورة تيميشوارا عام 1989 وبُرئ في نهاية المطاف) أنّ “تروسكا وثّق النشاط الإجرامي الذي قام به الجنرال نيكولاي ميليتارو كعميل سوفيتي”.وتشير بعض الشهادات إلى أّنّه عندما تقرّر استدعاء قوات الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب إلى مقرِّ وزارة الدفاع الوطني، طلب نيكولاي ميليتارو صراحةً أنْ يقود تروسكا العملية. هذه التفاصيل مُسجّلة أيضًا في لائحة الاتهام الخاصة بالثورة التي أعدّها مكتب المدعي العسكري.وفي نقاش مع المؤرخ أليكس ميهاي استوينسكو، صرّح الجنرال فيكتور استانكوليسكو أيضًا أنّ قتل تروسكا كان انتِقامِاً من ميليتارو، وقال: “كانت رغبة ميليتارو هي الانتِقام. كُنت قد قابلته، وأخبرني أنّه يريد الانتقام. فعل الشيء نفسه مع الأشخاص التُعساء أمام الوزارة. لمْ يكتفْ بتروسكا، بلْ أراد قتل الآخرين في استاد كرة القدم. وهذا حدث في الثالث والعشرين من الشهر، وليس في الرابع والعشرين كما يقول إيليسكو”. وصرّح استانكوليسكو أيضًا في مقابلة أنّ “تروسكا كان من بين الذين حقّقوا ووثّقوا واكتشفوا صِلات ميليتارو بجهاز المخابرات السوفيتية (كي جي بي). وقد جعله ميليتارو يسدِّد فاتورة ما قام به تِجاهه. ودليلًا على ذلك، بعد توليه منصب الوزير مُباشرة، أمر ميليتارو الأرشيف العسكري بالعثور على ملفات “الغربان” وتدميرها. أراد ميليتارو الانتِقام التام من الضابط الذي كشف أمره، وإذلاله تمامًا، من خلال التمثيل بجثّته وحرقها وقطع رأسها وعرضها على الملأ. هكذا كانت اخلاقه.”كما أكّد تدمير الوثائق مُذكِّرة صادِرة عن جهاز المعلومات الروماني(SRI) نهاية عام 1991، بناءً على طلب إدارة المؤسسة، والتي أفادت بأنّ “جميع الوثائق المُتعلِّقة بنشاط وحدة الاستخبارات العسكرية السابقة 0110UM قد دُمِّرت خلال أحداث ديسمبر 1989”.وصرّح فيرجيل ماقوريانو، الذي أصبح أوّل مدير لجِهاز المعلومات الروماني، كشاهِد في لائحة اتهام الثورة بأنّ “حادثة تروسكا ومأساة تلك اللحظة هما نتيجة عمل مُتعمّد من قبل الجنرال ميليتارو”. وأضاف ماقوريانو أيضًا: “كان الجنرال ميليتارو، الذي عُيّن وزيرًا للدفاع الوطني، يرسُم صورة كارثية لما كان يحدُث خارج مقر قيادة العمليات الخاصة، حيث كُنّا جميعًا. كان يتحدّث عن طائرات هليكوبتر وعمليات إنزال وشيكة، وعن هجوم إرهابيين مزعومين في مجموعات كبيرة، لمُهاجمة أهداف مُختلفة في بوخارست وفي أنحاء البلاد. كُنت شاهِدًا على هذه التصريحات التي أدلى بها الجنرال ميليتارو”.ويزعم المؤرِّخ كريستيان ترونكوتا أيضًا أنّ ميليتارو كان عميلًا للمخابرات العسكرية الروسية (GRU)، وأن السوفييت كانوا متورطين في أحداث عام 1989. ويستشهد بنصِّ محضر بتاريخ 27 ديسمبر 1989، يُبرز التطمينات التي قدمها تياجيلنيكوف، سفير الاتحاد السوفيتي آنذاك في بوخارست، إلى إيون إيليسكو وبيتري رومان، من غورباتشوف، بأنّهم سيستمِرّون في تلقّي نفس الدعم السِابق. وتُعزِّز هذه الشهادات فرضية أنّ نيكولاي ميليتارو انتقم من تروسكا ليلة 23 إلى 24 ديسمبر 1989، لما ألحقه به من أذى.* من هو جورجي تروسكا؟:كان جورجي تروسكا، الذي رُقّي إلى رُتبة عقيد بعد وفاته، رئيسًا للأركان في الوحدة الخاصة لمحاربة الإرهاب (USLA) خلال الثورة. تخرّج تروسكا عام 1967 من المدرسة العسكرية العليا في سيبيو، متخصِّصًا في الكيمياء. عندما كان ملازمًا شابًا، جرى تعيينه في وحدة عسكرية في كونستانتسا. وفي عام 1968، نظرًا لسجله الجيد وأصوله الأسرية الطيبة، عُيّن تروسكا ضابطًا في مكافحة التجسّس ضِمن الجيش الثاني بقيادة نيكولاي ميليتارو في الفترة 1969 – 1978، ثُمّ نُقِل إلى الدائرة الرابعة للأمن المسؤولة عن مكافحة التجسّس العسكري.لمْ يصل تروسكا إلى قيادة الوحدة الخاصة لمحاربة الإرهاب إلّا في عام 1986، حيث ترقّى إلى رئيس الأركان. وبصفته ضابطًا في مكافحة التجسّس في الدائرة الرابعة، يُزعم أنّ تروسكا عمل على ملف “الغُربان”، مِمّا أدّى إلى إذلال نيكولاي ميليتارو وآخرين وتهميشهم من قبل نظام شاوشيسكو.يزعم معارضو هذه النظرية أنّ تروسكا لمْ يكُنْ لديه أيّ وسيلة للمُساهمة في كشف ميليتارو (إنْ كان بالفعل عميلًا للمخابرات العسكرية الروسية) لأنّه، بين عامي 1977 و1979، كان يدرُس كضابط مكافحة التجسّس في الأكاديمية العسكرية، كلية الأسلحة المشتركة والدبابات والسيارات. وعندما عاد إلى الدائرة الرابعة، كان ميليتارو قد فقد سمعته بالفعل وجرى تهميشه.من جهة أخرى، يزعم ضباط مخابرات سابقون أنّ جميع المتورّطين في ملف “الغُربان” كانوا تحت التغطية بشكل كامل، لحمايتهم من انتقام موسكو. وعليه رُبّما لمْ يكُنْ الغطاء جيدا لتروسكا في دورات الأكاديمية العسكرية، تحديدًا في وقت سقوط ميليتارو.كما كان نيكولاي ميليتارو تحت مراقبة المخابرات بعد تهميشه وجعله في الخط الميت. وكما يتّضِح من شهادة نيكولاي يوسوب الذي قال: “أودّ أنْ أذكُر حقيقةً قد تُوضِّح سبب وفاة العقيد تروسكا في ديسمبر 1989 أمام وزارة الدفاع الوطني. في عام 1983، كان تروسكا يشغِل منصب نائب قائد جهاز مكافحة التجسس في الجيش الأوّل. في أحد الأيام، تلقيتُ معلومات تفيد بأنّ ميليتارو، الذي كان في الاحتياط آنذاك، قد استقبل زيارةً من ضابط في الجيش في منزله. حُدّدت المركبة التي كان يستقلّها الضابط على أنّها تابِعة لسيارات الجيش الأوّل، فاتّصل رئيسي بالمُقدّم تروسكا وعرض عليه البيانات المُتعلِّقة بالمعلومات التي جُمعت، وطلب منه مساعدتنا في تحديد هوية الضابط الذي قام بالزيارة، وتحديد ملابسات المحادثات مع ميليتارو، وما إلى ذلك. كان تروسكا سريع الغضب، وعند عودته إلى وحدته، تعرّف على الضابط واستدعاه إلى مكتبه، مخالفًا بذلك الأعراف المُتّبعة، وسأله بنبرة حادة عن معلومات تتعلق باجتماعه مع ميليتارو. لا أعرف ما هي المعلومات التي قدّمها له ذلك الضابط، ولكن بالتأكيد أنّ الضابط أبلغ الجنرال ميليتارو في أسرع وقت مُمْكِن بأنّه مُراقب وأنّ تروسكا على علم به. ورغم أنّ تدخُّله كان عابِرًا، بناءً على طلبنا، أعتقد أنّ اسم الضابط ظلّ عالِقًا في ذهن الجنرال ميليتارو، وعندما سنحت له الفرصة المُناسِبة، انتقم لما حدث، واتّخذ الإجراءات التي أدّت إلى مقتل تروسكا ليلة 23/24 ديسمبر 1989 أمام مقر وزارة الدفاع”.بعد الثورة، جرى اعتبار تروسكا ومرؤوسوه أبطالًا ورُقّوا إلى رتبٍ أعلى بعد وفاتهم. ثُمّ، بعد أنْ أصدر المجلس الوطني لدراسة وحفظ أرشيف جهاز الأمن (سيكوريتاتي)، أدلّةً تُثبِت أنّ تروسكا كان كن يقوم أيضا بدور “بوليس سياسي”، وبناءً على إصرار العديد من الجهات (وخاصةً معهد الثورة الرومانية في ديسمبر 1989)، وبموجِب مرسوم وقّعه الرئيس ترايان باسيسكو عام 2011، سُحِب منه لقب البطل الشهيد.ومع ذلك، يُحيي جهاز المخابرات الروماني ذكرى يوم المُقاتِل المُناهِض للإرهاب في 24 ديسمبر، وهو التاريخ الذي وقعت فيه الحادثة التي سقط فيها مقاتلو الوحدة الخاصة لمكافحة الارهاب، وتُوضع أكاليل الزهور على النصب الكائن في موقع حدوث المجزرة.* متى ظهر ملف “الغُربان” الخاص بالجواسيس التابعين لموسكو:يعود أصل الملف إلى أواخر الستينيات، بعد أنْ عارض شاوشيسكو غزو تشيكوسلوفاكيا من قِبل دول حلف وارسو (عام 1968)، وكثّف الاتحاد السوفيتي تجسُّسه في رومانيا.في ذلك الوقت، فتحت المديرية العامة لمكافحة التجسُّس (قطاع الدول الاشتراكية) ملف “الغُراب” لمتابعة فلاديمير كوربيلوف (الذي عُيّن عام 1971 مراسِلاً للتلفزيون السوفيتي في بوخارست)، وفلاديسلاف كروبسكي بيتروفيتشي (الذي عُيّن عام 1969 نائبًا للقنصل بسفارة الاتحاد السوفيتي في بوخارست)، وليونيدوفيتش بيسيرسكي (مستشار في السفارة السوفيتية في بوخارست، في القسم السياسي، منذ عام 1967).اشتبهت أجهزة الأمن (سيكوريتاتي) في كونهم جواسيس سوفييت يؤسِّسون (خلايا) لجهاز المخابرات العسكرية الروسية (GRU) وجهاز المخابرات السوفيتية (KGB) في رومانيا، وفي وجود صلات لهم باللواء اشتيفان كوستيال (الذي درس في موسكو).كان كوستيال من أوائل ضحايا قضية “الغُربان”، وفي عام 1970 تمّ تخفيض رتبته إلى جندي لأنّه تآمر مع آخرين ضد شاوشيسكو.* الجنرال كوستيال، زميل سورين أوفيديو فينتو في الزنزانة:على الرغم من تنزيله من منصبه ورتبته وإجباره على الإقامة الجبرية في مسكنه بمحافظة أرقيش، واصل كوستيال تطوير الشبكة التي تآمرت ضد شاوشيسكو. لهذا السبب، وسّع جهاز الأمن نِطاق عمله الاستخباراتي، وامتدّت حملة “الغُربان” لتشمِل جميع الأشخاص الذين شكّلوا الدائرة المُقرّبة من كوستيال. وفي مرحلة ما من ثمانينيات القرن الماضي، ولتهدئته، سجن جهاز الأمن كوستيال بتُهمة سرقة كهرباء من عداد منزله (وهي الفترة التي قضاها في زنزانة واحدة مع سورين أوفيديو فينتو).ومع ذلك، في ثمانينيات القرن الماضي، اتّسعت دائرة كوستيال، وكان من أبرز المنضمين إليها: إيون إيونيتسا (الذي تلقى تعليمه في موسكو أيضاً، وشغل منصب وزير الدفاع بين 1966 -1976، ونائب رئيس الوزراء في الفترة 1976 – 1982)، والجنرال نيكولاي ميليتارو (خريج أكاديمية “ميخائيل فرونزي” العسكرية في موسكو أيضاً)، والقائد رادو نيكولاي، والقائد أنتون بيجان.وكانت لمجموعة الضباط التي شكّلها كوستيال صِلات وثيقة بالمجموعة المدنية التي كان من ضمنها إيون إيليسكو، فيرجيل ماقوريانو، وسيلفيو بروكان.حتى خلال الثورة، كان كوستيال نشطًا للغاية، وساهم في اعتقال إيليا ونيكولاي أندروتسا شاوشيسكو (شقيقي نيكولاي شاوشيسكو، أحدهما جنرال في الجيش والآخر جنرال في جهاز الأمن). وبعد الثورة، رُفِّعَ كوستيال إلى رتبة لواء، وتمتّع بمعاش تقاعدي عسكري حتى عام 2013 حيث توفّي.* الوحدة العسكرية 0110UM المضادة للـ (كي جي بي):المديرية الرابعة المضادة للتجسّس كانت تُعنى بشكل أساسي بالأفراد العسكريين المتورِّطين في التجسّس أو على اتِّصال بجواسيس أجانب. وقد عملت هذه الوحدة بتعاون وثيق مع الوحدة العسكرية UM0110، التي كانت تابعة مباشرة لإدارة أمن الدولة.وبوصفها الوحدة المضادة للـ (كي جي بي)، كان لديها في ديسمبر 1989 عدد 278 موظفًا، معظمهم من الضباط. تعاملت الوحدة بشكل رئيسي مع المدنيين المشتبه في صِلاتهم بأجهِزة المخابرات التابِعة لدول أخرى، بالأخص دول الكتلة الشيوعية، وخاصة الاتحاد السوفيتي. ووفقًا لتصريحات نيكولاي يوسوب، الضابط السابق في مديرية الاستخبارات العسكرية الرابعة، الذي عمل منذ عام 1983 في ملف “الغُربان”، قدّمت الوحدة العسكرية UM0110 معلومات استخباراتية وقامت بمراقبة أيون إيليسكو ومجموعة المدنيين المحيطين بنيكولاي ميليتارو والعسكريين الآخرين الضالعين في ملف “الغُربان”.تأسّست الوحدة العسكرية UM0110 عام 1978 (العام الذي فرّ فيه أيون ميهاي باشيبا)، عندما دُمجت وحدتان عسكريتان خاصتان، وهما الوحدة العسكرية 0920/A والوحدة العسكرية 0625/RB وتعود جذور هاتين الوحدتين إلى ستينيات القرن الماضي، عندما أُنشئتا لمكافحة التجسّس من قِبل الدول الاشتراكية الحليفة.وهكذا، أُعيد تنظيم قطاع مكافحة تجسّس الدول الاشتراكية، الذي أُنشئ عام 1963، ليصبح قسمًا خاصًا عام 1968 ضمن المديرية العامة لمكافحة التجسّس، وفي سياق غزو السوفيت لتشيكوسلوفاكيا، كان لا بد من إعادة تشكيل هياكل مكافحة التجّسس في رومانيا الاشتراكية.بحسب مجلة هيستوريا، تأسّست الوحدة العسكرية الخاصة UM0920/A عام 1972 كوحدة استخبارات مضادة خاصة بالدول الاشتراكية، مُرتبِطة في نشاطها بإدارة المعلومات الخارجية المُنشأة حديثًا ورمزها UM0920، والتي كانت مسؤولة عن تنظيم وتنفيذ أنشطة الاستخبارات المُضادة على الأراضي الرومانية بين مواطني الدول الاشتراكية بهدف معرفة ومنع وكشف وتحييد الأعمال المعادية لسياساتنا ودولتنا. أما الوحدة العسكرية 0625/RB، فكانت مُهِمتها “تنظيم وتنفيذ أنشطة الاستخبارات المضادة لكشف ومنع ومواجهة الأعمال التي تبدأها بعض الدول الاشتراكية أو أشخاص من الداخل (مواطنون رومانيون) والتي تهدف إلى تقويض سياسات رومانيا الداخلية والخارجية أو التي تُعارِض قيادة الحزب والدولة”.وكانت الوحدة العسكرية 0625/RB تابِعة لمديرية الاستخبارات المُضادة الثالثة، والتي أصبح رمزها UM0625 التابعة لوزارة الداخلية. وعلى الرغم من استقلالية أنشطتهما، فقد تشاورت وحدتا مكافحة التجسّس الخاصتان وتعاونتا بشكل وثيق في مهامهما. ومع ذلك، ظلّت أنشطتها وجميع الضباط وأنشطتهم سِريّة تمامًا، بعيدة عن أنظار السوفيت قدر الإمكان. لهذا السبب، جرى استخدام ضباط من هياكل أخرى تابِعة لجهاز الأمن (سيكوريتاتي) في مهام تتطلب كشف الهوية، وكانوا يرفعون تقاريرهم مباشرةً إلى الضباط المُباشرين الملف.إضافةً إلى أنشطة مكافحة التجسّس، استعان قادة الحزب الشيوعي بضباط من هذه الوحدات الخاصة للتجسّس على خصومهم ومنافسيهم في الحزب، لا سيما وأنّهم استفادوا من أحدث تقنيات التنصّت. وجدير بالذكر أنّ الوحدة الخاصة لمكافحة الإرهاب (USLA) انبثقت أيضًا عام 1977 من الوحدة العسكرية 0625/RB.؛؛؛…؛؛؛غداً الحلقة التاسعة من صحيفة (ليبرتاتيا)وتستعرض علاقات إيون إيليسكو الذي تولى رئاسة البلاد بعد ثورة ديسمبر 1989، بالجنرالات في شبكة “الغُربان – corbii” الذين جندتهم موسكو. وكيف تمكّن الاتحاد السوفيتي من الحفاظ على نفوذه في الجيش الروماني؟The post حكاية الثورة الرومانية – ديسمبر 1989 – من الألف للياء… (الحلقة الثامنة) appeared first on صحيفة مداميك.