يسرا حمزةفي مكانٍ ضيق وابيض ومغلق يزدادُ البخار وتصيرُ الرؤية صعبة، ويضيعُ وجهي بأكمله في المرآة، وكان يريدُ ذلك، ان اصيرَ اسيرةَ الضباب والضلال وان انكفئ على الجدران دون يقينٍ كامل، وكنتُ اصارعُ الهواء كالناسِ اللذين عجزوا عن عبور الجسر وسقطوا في النهر ولم ينجوا وظلوا عالقين في المكان الصغير بين الرمل والماء، وكنتُ اتمددُ على الصخور كأعشابٍ مُبتلة وتكرهُ العودة الى البحر، وكانت هى بكاميراتها السوداء تلتقطُ صوراً للأصداف وقناديل البحر الميتة، ولو أنني كنتُ أكثرُ اتزاناً لفهمتُ الأمر حينها، ولكنني انشغلتُ بالشمس والرياح والملح المتراكم، ولم ننتبه الى الكتاب الذي نسيناهُ على الشاطئ ومن ثُم حملته الأمواج، ولم اعُد أتذكر عنوانه ولم اكمله، وكُنا في الليل نشربُ الحليب الدافئ ونشاهدُ نشرة الأخبار ونتوتر، ومن ثُمَ نشاهدُ برنامجاً وثائقياً عن الضباع والنمور في مكانٍ بعيد ونهدأ، وكنتُ امشي في نومي كثيراً ولا أتذكر في الصباح شيئاً، وكنتُ اشعرُ حينها وكأن شخصاً مرَ بجانبي واصطدم بالسرير واهتز قليلاً، ولأنني لم ارى وجهي في عتمة النهار تخيلتُ وجهاً اخر، وقال بسام انه مجرد تعب، ولذا في اخر الليل عندما اغمض عيناي اعود لأستلقي امام باب البيت على التراب، ومطرٌ واحد لا يكفي البيوت التي نخبأها داخلنا، وفي الحلم كنتُ في طريق العودة من المخبز ولأنني مشيتُ بدربٍ مختصر تهت، وكنتُ في بهوٍ صغير لمبنىٍ يمتدُ للأسفل كما للأعلى، وحين نظرتُ لأرى النهاية اصابني دوار ورأيتُ ظلاماً، وكان الحائطُ من طين والبابُ خشبي وأزرق، وعندما حاولتُ التقاط صورة له رأيتها تقفُ في الجهة الأخرى تراقبني دون كلام، أميلُ للمألوف عندي وأعيدُ الاستماع الى ذات الأغاني التي جمعتها قبل عشرة أعوام، و(….) ارسل نصفها، ومن ثُم لم نعُد أصدقاء، وكان فتىً هشاً وهادئاً ويسخرُ من كل شئ حتى نغمة هاتفه الغريبة، وكان يشاركني الأفلام والكُتب ومن ثُم ابتلعتهُ الغربة ولم يعُد يتحدث او يكتب، واحياناً اخبرُ نفسي بأنه لم يكُن شخصاً حقيقي، وكان انعكاساً للوحدة والرغبة في صديقٍ لا يشبهُ الاخرين، والان لو تواجدنا في ذاتِ المدينة سيمرُ احدنا بالاخرِ غريباً، وفي يوليو كنتُ أخبركَ عن العودة الى الخرطوم وكنتَ تخبرني عنها وعن الشمس والموسيقى وعن ما تشعرُ به وقلت بأنكَ لن تعودَ أبداً وستظلُ هناك تتحركُ بين الأشجار والإسمنت وتجلسُ تحت الشمس معها، ولأنني لا انتمي تركتكَ للغابةِ والعصافير البيضاء، وكنتُ افكرُ بكل الجدران التي سقطت وكُنا نمشي عليها ونراقبُ الأُفق والغبار الثائر على الطريق الطويل، وكنت انت بدراجتك الفضية تمشي كمُحاربٍ عائد من نهاية اخر حرب، وكُنا نقفُ تحت أعمدة الكهرباء ونحدقُ في الشارع والمارين المُتعبين، ولم نتحدث يوماً دون زجاجٍ بيننا، وكنتَ تضعُ الكثير من الاغصان والنوافذ بيننا ولم اكن اراك الا كشبحٍ مشغول، ولما سكنْ المطر ورأيتك بشكلٍ واضح كانت الحربُ الحقيقية قد بدأت، ولم اقُل وداعاً.The post [الخوف من المرآة والماء والنوافذ] (او حُمى ديسمبر ) appeared first on صحيفة مداميك.