بقلم: عاطف عبداللهفي مشهدٍ صادمٍ يهدد ما تبقّى من فكرة العدالة في السودان، أصدرت محكمة سنجة العامة مؤخراً حكماً بالإعدام على المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أبو بكر منصور محمد حمزة، عضو القطاع القانوني لحزب المؤتمر السوداني ورئيس فرعية الحزب في محلية سنجة سابقاً. جاء الحكم بالإعدام بعد أن كان قد صدر بحقه حكمٌ ابتدائيٌ قاسٍ بالسجن لمدة عشرين عاماً مع غرامة عشرة ملايين جنيه سوداني، بتهمة وُصفت بالملفقة وهي “التعاون مع قوات الدعم السريع”.أبو بكر، الذي يقارب الستين من عمره، لم يكن فاراً ولا متعاوناً مع أي جهة مسلحة. وبحسب إفادات أهالي سنجة، فقد ظلّ ملازماً لوالدته المسنّة إبّان دخول قوات الدعم السريع إلى المدينة، ولم يغادرها مطلقًا. بل عُرف بجهوده الإنسانية في تلك الظروف العصيبة، إذ قام بتوزيع الأدوية مجانًا على المرضى المحتاجين، من مخزونٍ دوائي تبرع به شقيقه الصيدلي. هذه الشهادة التي تكررت على ألسنة سكان سنجة تعكس صورة رجلٍ مدنيٍّ نذر وقته لإنقاذ الأرواح وسط الفوضى والحرب، لا صورة مجرمٍ متعاون مع قوات مسلحة.لم تكن المحاكمة حدثًا عاديًا في المدينة. فقد شهدت قاعة المحكمة حشوداً غير مسبوقة من المواطنين الذين اكتظّت بهم القاعة حتى اضطر بعضهم للوقوف لمتابعة سير الجلسات، في مشهد يعكس الاهتمام الشعبي الواسع بالقضية، وإيمانًا راسخًا ببراءة الأستاذ أبو بكر منصور.لكنّ الحكم القاسي – ثم حكم الإعدام – كشفا للكثيرين أن القضية أبعد من مجرد اتهامٍ بالتعاون. فقد أشار عدد كبير من المراقبين والشهود إلى أنّ العقوبة تحمل دوافع سياسية واضحة، تتعلق بانتماء أبو بكر السياسي وآرائه الجريئة ومواقفه المعروفة. واعتبروا أن استهداف محامٍ مدافع عن الحقوق في ظل مواقفه السياسية المعارضة، يثير شبهات خطيرة حول استغلال القضاء لتصفية الخصوم السياسيين.الأشدّ فداحة أنّ جلسة النطق بحكم الإعدام انعقدت على نحو مفاجئ، رغم أنّ ملف الدعوى كان محدّدًا للنظر فيه يوم 9 أكتوبر 2025، ليتفاجأ الجميع بانعقادها في 5 أكتوبر، في غياب محامي الدفاع الذي اعتُقل من قِبل سلطات الأمن في بورتسودان. صدر الحكم دون سماع بينات جديدة أو تلاوة للحيثيات، ما وصفته محامو الطوارئ ولجنة العدالة بأنه انتهاك فاضح لحق الدفاع وخرق لقرار محكمة الاستئناف.لقد أضحى الحكم، في نظر قطاعات واسعة من الأهالي والحقوقيين، رمزاً لهيمنة سلطة الأمر الواقع على القضاء وتحويله إلى أداةٍ للتصفية السياسية. وأثارت المحاكمة مخاوف حقيقية لدى المواطنين من إمكانية تكرار سيناريوهات مماثلة ضد نشطاء آخرين، أو حتى تعريضهم لخطر التصفية الجسدية في ظل هشاشة الوضع الأمني والقانوني الذي يعيشه السودان اليوم.إننا نحمل سلطات بورتسودان المسؤولية الكاملة عن سلامة الأستاذ أبو بكر منصور، وندعو إلى الإفراج عنه فوراً ووقف تنفيذ هذا الحكم الجائر، كما نطالب بالإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين المحتجزين في ظروف سيئة بسجون الأجهزة الأمنية. وندعو منظمات المجتمع المدني السودانية والإقليمية والدولية، وكذلك المؤسسات العدلية الدولية، إلى التدخّل العاجل لإنقاذ حياة أبو بكر منصور من حبل المشنقة ووقف هذا الانحدار المروّع لمنظومة العدالة في السودان.إنّ هذه المحاكمة لا تمثل اعتداءً على فرد واحد، بل هي إنذار خطير لمستقبل العدالة وحرية الرأي، ورسالة قاتمة عن مصير كلّ من يجرؤ على الصمود مع شعبه في وجه الحرب والفوضىThe post محاكمة أبو بكر منصور: القضاء حين يتحول إلى أداة للتصفية السياسية appeared first on صحيفة مداميك.