بقلم: عمر الدقيرفي يوليو الماضي كتبتُ مقالاً بعنوان “دفاعاً عن الصدق”، تعليقاً على تصريح رئيس الوزراء المُعيّن – د. كامل إدريس – الذي أعلن فيه عن تعيين خمسة وزراء من أطراف اتفاقية جوبا، واصفاً ذلك التعيين بأنه “جاء عقب دراسة دقيقة للكفاءات والخبرات الوطنية”. يومها قلت إن هذا التصريح بعيد عن الحقيقة، إذ أن هذه الوزارات أصرّت عليها بعض أطراف اتفاقية جوبا وانتزعتها – عنوةً – استناداً إلى نصوص الوثيقة الدستورية “الموؤودة”، لا على أي أساس آخر.أعادني خطاب د. كامل ادريس، مساء الأمس ضمن فعاليات اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، لذلك المقال .. فقد احتوى خطاب الأمس على أربع فقرات، على الأقل، تجافت عن فضيلة الصدق – “استمعت قبل لحظات لتسجيل صوتي من الصحفي المعروف الأستاذ محمد لطيف علّق فيه على نفس هذه الفقرات وغيرها” – والفقرات المعنية هي:١- “قمتُ بتشكيل حكومة مدنية من التكنوقراط”:هذه العبارة لا تمت للحقيقة بصلة، فالجميع يعلم أن غالب أعضاء ما يُسمى بـ “حكومة الأمل” – إن لم يكن كلهم – من أصحاب الانتماء السياسي، سواء المنتمين لتنظيمات اتفاقية جوبا أو أولئك المنتمين لحزب المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية.٢- “نؤكد إلتزام حكومة السودان بخارطة الطريق والتي ساهم في وضعها لفيف من القوى الوطنية والمنظمات المدنية”:إذا تجاوزنا مواقف الرفض الصريحة من قوى “تأسيس” المتحالفة مع الدعم السريع، وقوى “صمود” المتهمة – زوراً – بالانحياز إليه، إضافةً لرفض قوى سياسية أخرى، فإن “الكتلة الديمقراطية” – وهي الداعمة للحكومة في بورتسودان والمشاركة فيها ببعض عضويتها – قد أعلنت رفضها لهذه الخارطة عبر بيان للرأي العام .. فمن هي إذن “القوى الوطنية والمنظمات المدنية” التي ساهمت في وضع هذه الخارطة؟!٣- “التزمت الحكومة ولا تزال بتسهيل كافة الإجراءات لكل السودانيين بالمهاجر للعودة والانخراط في هذا الحوار التاريخي”:يعلم د. إدريس – كما يعلم الكافة – أن أعداداً كبيرة من السياسيين والنشطاء الرافضين لاستمرار الحرب، وآخرين ينحدرون مما يُسمى بـ “حواضن الدعم السريع”، ما زالوا ممنوعين من تجديد وثائق السفر .. ورغم أن الفريق البرهان وجَّه في خطاب سابق بألا يُمنع أي سوداني من إصدار أو تجديد جواز السفر، إلا أن ذلك التوجيه تلاشى في الهواء بعد أن ردَّدت صداهُ جبال الشرق.وإذا كان الشيء بالشيء يذكر, فبُعَيد إعلان تعيينه رئيساً للوزراء ، نقل لي أحد الأصدقاء، من الإعلاميين، رسالةً من د. كامل إدريس – وربما نقلها لغيري أيضاً – أفاد فيها بأنه سيتواصل مع الجميع بهدف الدفع نحو الوفاق الوطني، وأن أول ما سيفعله بعد أداء القَسَم هو إيقاف ممارسة منع تجديد وثائق السفر والسعي لإبطال لائحة الاتهام التي أصدرها النائب العام ضد عددٍ من السياسيين .. وكما هو معلوم، لم يحدث شيء من ذلك حتى الآن!٤- في ذات الخطاب، وصف إدريس نفسه بأنه “رئيس وزراء مدني بسلطات مستقلة، ترسيخاً لقيم الحكم المدني والانتقال الديمقراطي”:قد تكون هذه قناعته بالفعل، غير أن كثيراً من الشواهد العملية تكذِّبها .. ولعله لا يعلم أن محتوى الوثيقة الدستورية “الموؤودة” المعدلة، جعل الحكومة تابعة لـ “مجلس السيادة” الذي يشرف عليها، ونزع منها ملفات السياسة الخارجية، الأجهزة الأمنية والبنك المركزي!أما الأولويات التي ذكرها بالأمس فهي ذاتها التي طرحها بعد أداء القسم، وقد ذَرَتْها رياح الواقع ولم يُنفّذ منها قيد أنملة!ختاماً، نعيد ما قلناهُ في المقال السابق: “ليست غايتنا من هذه الملاحظات المناكفة أو التهكم على د. كامل إدريس، بل دفاعاً عن الصدق .. ففضلاً عن كون الصدق فضيلة انسانية، فهو ضرورة أخلاقية لا سيما في لحظات الأزمات الوطنية الكبرى حين تتباين الرؤى وتشتد الحاجة إلى بناء الثقة وتجسير المسافات بين الفرقاء. ولا يمكن لذلك أن يتحقق ما لم تستند الرؤى المختلفة، والتعبير عنها، على قاعدة راسخة من الصدق .. وفي ظل ما يعيشه السودان من أزمة خانقة، تصبح مطالبة جميع الفاعلين في المشهد الوطني بالتحلي بهذه القيمة الأخلاقية شرطاً لازماً لعبور الأزمة”.The post حول خطاب د. كامل إدريس: مرة أخرى.. “دفاعاً عن الصدق” appeared first on صحيفة مداميك.