آثار السودان مهددة بقسوة التغيرات المناخية.. مبادرات دولية لإنقاذ التراث العالمي من السيول والتصحر

Wait 5 sec.

عثمان الأسباط : اندبندنت عربيةلم تنجُ المواقع الأثرية والتراثية السودانية من التهديدات الخطرة التي تمس وجودها حتى في المناطق التي لم تطاولها المعارك والاشتباكات المسلحة، إذ بات موقع الأهرام بالبجراوية في ولاية نهر النيل شمال البلاد تحت رحمة التحولات المناخية بخاصة الأمطار والسيول، وتراكم الكثبان الرملية، وكذلك غياب فرق العمل الميداني الخاص بالمراجعة والصيانة الدورية.ضمن الجهود الوطنية والإقليمية لصون التراث القومي من التهديدات والأخطار، زار وفد من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” في السودان، المدينة الملكية وموقع الأهرام بالبجراوية والمدرجة منذ عام 2011 ضمن قائمة التراث العالمي، بهدف تقييم حال المواقع والاطلاع على حجم التحديات نتيجة التغيرات المناخية وتأثيرات النزاع المسلح في البلاد، إلى جانب تأمين حماية سريعة مع وضع خطة متكاملة لحفظ التراث الثقافي.حشد الدعمفي السياق ذاته، قال مدير مكتب “اليونيسكو” في السودان أحمد جنيد سوروش إن “زيارة الوفد إلى المنطقة تعكس التزام المنظمة العميق بحماية التراث السوداني الذي يمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث الإنساني العالمي”. وأضاف أن “هذه المواقع تواجه أخطاراً عدة، تشمل التغير المناخي والفيضانات والزحف الرملي، إضافة إلى تداعيات الحرب الأخيرة، لكننا نعمل مع شركائنا الوطنيين والدوليين لحشد الدعم الفني والمالي، وتعزيز قدرات الكوادر السودانية على إدارة هذا التراث وصونه”.مشهد من السماء لموقع أهرام البجراوية (حسن حامد)وأوضح سوروش أن “اليونيسكو” أطلقت خطة طوارئ لمدة عامين تهدف لدعم القطاعات الثقافية والتعليمية والعلمية والإعلامية في السودان، وتشمل برامج للتوثيق والتدريب، وكذلك مكافحة الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية، فضلاً عن مشاريع لترميم المواقع المتضررة مثل المتحف القومي في العاصمة الخرطوم”.خسائر فادحةعلى الصعيد نفسه، أشار مدير دائرة الثقافة بمكتب منظمة “اليونيسكو” في السودان عبدالرحمن علي إلى أن “البلاد تعرضت لخسائر فادحة في قطاع الآثار خلال الحرب نتيجة عمليات النهب والسلب، علاوة على التخريب والأضرار “.ولفت إلى أن “المعلومات الواردة من إدارات المتاحف تشير إلى سرقة أكثر من 4 آلاف قطعة أثرية من المتحف القومي في الخرطوم، وعدد من المتاحف الأخرى، وهذه الخسارة لا تخص السودان وحده، بل تمثل نزفاً للتراث الإنساني ككل، مما يستدعي تضافر الجهود الوطنية والدولية لاستعادتها”.ونوه مدير دائرة الثقافة بمنظمة “اليونيسكو” بأن “غياب الحماية الأمنية، والنزوح الكبير للمواطنين نحو المناطق الأثرية، إضافة إلى عدم انتظام الزيارات، عوامل فاقمت من الأخطار التي تهدد المواقع التاريخية”.زحف صحراويعلى نحو متصل، أوضح المتخصص في مجال الآثار والمتاحف وليد دياب أن “خطر التحولات المناخية بات يهدد ذاكرة السودان وهويته وتاريخه، إذ أدى الزحف الصحراوي إلى تراكم الكثبان الرملية التي تؤثر في سلامة الحجر الرملي الهش وما عليه من نقوش ورسومات، فضلاً عن تداعيات الأمطار الغزيرة والسيول وتأثير تسرب المياه وارتفاع الرطوبة بصورة مباشرة على جدران الأهرام والمعابد الجنائزية”.وقال، “أسهمت ظروف الحرب في غياب وتوقف فرق العمل الميدانية التي تقوم بالصيانة الدورية والمراجعة، بخاصة في المدينة الملكية (عاصمة مملكة مروي الأثرية)، بولاية نهر النيل وموقع الأهرام بالبجراوية”.خطر التغيرات المناخية بات يهدد ذاكرة السودان وهويته وتاريخه (حسن حامد)وتابع دياب، “80 في المئة من الآثار الشاخصة ومواقع التراث السوداني تقع على ضفاف الأنهار ومجاري الأودية، وضمنها آثار منطقة البجراوية، بطبيعة الإنسان منذ القدم، ونزعته للاستقرار بجوار مكامن الحياة، شأن كل الحضارات، حيث التفت كلها حول النيلين الأزرق والأبيض، ومن ثم فإنها جميعاً تحتاج إلى خطط لتأمين حمايتها آنياً ومستقبلياً”.تنسيق وتعاونمن جانبه يأمل الباحث الأثري الصادق إدريس في أن تكون المبادرات الوطنية والعالمية المشتركة المطروحة الآن لحماية التراث القومي ذات فاعلية أكبر في المستقبل القريب لضمان صونه للأجيال القادمة.وأشار إلى حسرة المعنيين بالتراث الإنساني إثر ما يحدث الآن من تهديد واضح وكبير على مواقع السودان الأثرية والتاريخية، إلى جانب المتاحف والمراكز الحضرية.تعرض السودان لخسائر فادحة في قطاع الآثار خلال الحرب نتيجة النهب والسلب (حسن حامد)وطالب إدريس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” بضرورة تنفيذ برامج تدريبية لبناء قدرات العاملين في مجالات التوثيق والترميم، إضافة إلى تنسيق الجهود مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” للحد من تهريب القطع الأثرية واسترداد المنهوب منها.تعزيز الحمايةعلى النحو ذاته، أوضح مدير موقع التراث العالمي بجزيرة مروي، محمود سليمان محمد بشير، أن “التدابير لحماية مواقع التراث الثقافي العالمي في السودان تركز على تعزيز حماية المواقع الأثرية وزيادة قدرتها على الصمود، وتشمل أهرام البجراوية والمدينة الملكية”.وأشار إلى أن “الإجراءات تشمل إزالة الكثبان الرملية وفتح مصارف مياه الأمطار في أهرام البجراوية، وكذلك تنظيف الغطاء النباتي الكثيف من المدينة الملكية في مدينة مروي”.ولفت إلى أن “أن التغيرات المناخية تمثل خطراً مباشراً على المواقع الأثرية، بخاصة مع تزايد معدلات الأمطار خلال العامين الماضيين، وتراكم الكثبان الرملية أمام الأهرام، مما يعرض الحجر الرملي الهش للتعرية، كما أن الرياح والرطوبة أسهمت في نمو كثيف للأشجار، في وقت يشكل فيه غياب أنظمة تصريف المياه تهديداً مباشراً للمباني الأثرية”.ودعا مدير موقع التراث العالمي بجزيرة مروي إلى توفير دعم مالي وفني كبير لتنفيذ إجراءات إسعافية عاجلة، فضلاً عن وضع خطط طويلة الأمد لترميم الأهرام، وتأهيل الكوادر وتوفير مواد الترميم، إضافة إلى إجراء دراسات متخصصة حول تأثيرات المناخ على المنطقة لضمان استدامة الجهود”.وختم حديثه بقوله، “أهرام البجراوية ومعابدها الجنائزية تحمل سجلاً فريداً لتاريخ الملوك والملكات السودانيين، وتشكل رمزاً للهوية الوطنية وواجهة حضارية عالمية تستحق الحماية العاجلة والمستمرة”.The post آثار السودان مهددة بقسوة التغيرات المناخية.. مبادرات دولية لإنقاذ التراث العالمي من السيول والتصحر appeared first on صحيفة مداميك.