عمار الباقرفي 12 سبتمبر 2025م، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها، الذي لا يزال منعقدًا، إعلان نيويورك، الذي يدعم حل الدولتين، ويطالب بوقف فوري للقصف في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. اتخذ هذا القرار بأغلبية 142 دولة، واعتراض 10 دول وامتناع 12 عن التصويت.جاء هذا الإعلان تتويجًا لسلسلة طويلة من الخطوات تعود إلى عام 1988، حين اعترفت الجمعية العامة بالأمم المتحدة بإعلان استقلال الدولة الفلسطينية من الجزائر في 15 نوفمبر 1988، وحصلت فلسطين على اعتراف واسع من الدول الأعضاء، تجاوز التسعين دولة في حينها.في نوفمبر 2012م، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح منح فلسطين صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة في القرار رقم (67/19)، والذي تمت إجازته بأغلبية 138 صوتًا، واعتراض 9 دول وامتناع 41 عن التصويت. رفع هذا القرار مكانة فلسطين من “كيان مراقب” إلى “دولة مراقب غير عضو”، وهو وضع مشابه للفاتيكان، كما مكّن فلسطين من الانضمام إلى هيئات واتفاقيات دولية مهمة، مثل نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.في الفترة من 28 وحتى 30 يوليو 2025، نظم مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لمعالجة آليات تنفيذ الدولة الفلسطينية، بما في ذلك قضايا مثل نزع سلاح حماس، إدارة الفترة الانتقالية، وإصلاح السلطة الفلسطينية. جاء المؤتمر تنفيذاً لقرار من الجمعية العامة صدر في ديسمبر 2024، الذي دعا لعقد مؤتمر متعدد الأطراف لتحقيق التفاوض العملي على تنفيذ حل الدولتين. وفي سياق هذا المؤتمر، توقّعت بعض الدول أن تعلن عن اعتراف رسمي بفلسطين بحلول سبتمبر 2025م.وعلى الرغم من ذلك، يواجه الاعتراف بالدولة الفلسطينية عقبة كبيرة تتمثل في توصية مجلس الأمن الدولي بأغلبية 9 دول من أصل 15 وبدون فيتو من دولة دائمة العضوية، وهو فيتو ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تستخدمه في كل مرة تُطرح فيها قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على طاولة مجلس الأمن.إلا أنه، على الصعيد السياسي، تتمتع الدولة الفلسطينية باعتراف 145 دولة من أصل 193 دولة، ومعظمها من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بينما غابت عن هذا المحفل معظم الدول الغربية، والتي دخلت مؤخراً على خط الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مثل فرنسا وبريطانيا وأيرلندا وإسبانيا.اللافت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير، أنه إلى جانب المملكة العربية السعودية، جاءت أقوى المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية من دول غير عربية مثل جنوب أفريقيا وكولومبيا والبرازيل، بل وشملت هذه المواقف دولًا غربية مثل فرنسا وإسبانيا التي كانت لها مواقف قوية جدًا تجاه هذا الموضوع.في المقابل، شهدت مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه ما يجري في غزة استهجانا واسعًا داخل الاجتماع، وعانت الولايات المتحدة من عزلة لم تشهد مثلها منذ غزو العراق عام 2005. هذه العزلة دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة إلى الدفاع عن نفسه بالادعاء أنه أوقف سبع حروب في العالم، دون أن يحدد تلك الحروب، مع توجيه الانتقادات اللاذعة للأمم المتحدة وبعض الدول، كما امتدت الانتقادات إلى شخصيات محلية لا علاقة لها بالاجتماع، مثل عمدة لندن صادق خان المنتمي إلى حزب العمال البريطاني، مما أثار سخرية وسائل الإعلام.كذلك واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي عاصفة من التصفيق ومغادرة معظم الوفود لقاعة الجلسة مع بداية خطابه، الذي ألقاه وسط قاعة شبه فارغة.ما نستنتجه من اجتماع الجمعية العامة الأخير، أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية عرب أو مسلمين فحسب، بل هي موقف عالمي ضد العنصرية والتطرف الديني، ومبدأ متعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش بأمن وكرامة على أرضها. كما أنها قضية مرتبطة بالديمقراطية والدولة المدنية.إنني أعجب بحقّ إزاء المجموعات السياسية في بلادنا التي شقت جيوبها نحيبًا وعويلاً على الدولة المدنية في السودان، ثم أذعنت بكل ذل ومسكنة أمام الضغوط الأمريكية، فوقعت على الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي تعتبر وصمة عار في جبين هذه المجموعات وحكومة الفترة الانتقالية، وهي فضيحة أسوأ من ترحيل اليهود الفلاشا أثناء العهد المايوي. وإن قام الشعب السوداني بمحو هذا العار بمحاكمة المتهمين في هذه الجريمة في محاكمات علنية، فليس أقل من محاسبة الطالعين في جريمة التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية، ولو على المستوى السياسي على اقل تقدير. أما شركاؤهم في هذه الجريمة وأعني هنا زمرة القادة العسكريين وقادة الميليشيات بزعامة البرهان وحميدتي ، ففَلسان حالنا يقول: ليس بعد الكفر ذنب؛ فحسبهم ما ارتكبوه في حق شعبٍ من قتلٍ واغتصابٍ وتشريدٍ وتدميرٍ متعمدٍ للبنية التحتية وتبديدٍ لمقدراتها.لا يأتي موقفنا هذا من دوافع أخلاقية فقط، فكل من يتابع الشأن السوداني عن قرب يدرك أن جريمة الاشتراك في حرب اليمن وخطيئة التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية هما الكارثتان اللتان أسهمتا بشكل مباشر فيما نحن فيه اليوم، حيث فتحتا الباب واسعًا أمام تدخل أكثر دول العالم أذىً وشراً في الشأن الداخلي السوداني. إن الخطوات الأخيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد أن العالم لم يعد يقف متفرجًا أمام الانتهاكات، وأن قضية فلسطين تتجاوز الانتماءات القومية والدينية لتصبح اختبارًا عالميًا لحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. وهو بارقة أمل لتحقيق السلام العادل والشامل، كما هو رسالة لنا في السودان بأن الحق يعلو علي المصالح الانية الضيقة والاذعان نحو نيل القوي الدولية عل حساب الشعوب الأخرى وأن العدالة ستبقى هدفًا لا غنى عنه مهما طال الزمن.The post إعلان نيويورك: خطوة مهمة نحو تعزيز الحقوق الفلسطينية- ليتنا نتعلم منها appeared first on صحيفة مداميك.