حمّور زيادةصدر في مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي التقرير الجديد للبعثة الدولية المستقلّة لتقصّي الحقائق في السودان. وكحال التقرير السابق الصادر في سبتمبر 2024، شكت البعثة من عدم تعاون السلطات العسكرية معها. ومثلما تجاهل النظام في العام الماضي البعثة، ولم يسمح لها بزيارة السودان، ولم يردّ على رسائلها، عاد مرّة أخرى للتجاهل، فلم تردّ عليها البعثة الدائمة للسودان في جنيف، وتواصلت مع كامل إدريس (رئيس الوزراء المُعيَّن)، الذي وصفه تقريرها بـ”رئيس الوزراء المدني”، وطالبته بعقد اجتماع وزيارة السودان، ولم يردّ عليها (!). حتى مسودة التقرير أُرسلت إلى النظام العسكري من دون ردّ (!). الردّ الوحيد تقريباً كان في الإعلام على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف، إذ أعلنت النائبة العامة التي عيّنها قائد الجيش حديثاً في منصبها، أنها طالبت بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية لأنها لجنة مسيّسة، واتهمتها بمحاولة مساواة الجيش السوداني بقوات الدعم السريع (وهي إحدى التهم الفاشية العجيبة التي تتردّد عن حرب السودان).رصد التقرير الجرائم التي ارتكبها في حرب السودان الجيش والقوات المتحالفة معه، وتلك التي ارتكبتها “الدعم السريع” والقوات المتحالفة معها. وهذا أمر لا يرضي جهات كثيرة، فيتكرر الهجوم على الجهات الدولية التي تعنى برصد الجرائم والانتهاكات، لأن لا أحدَ يعنيه الرصد، ولا الحقيقة تهم المتقاتلين، إنما يبحثون عن إدانة خصومهم.قالت البعثة في تقريريها إن الأفعال التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، و”وقعت في سياق النزاع المسلّح غير الدولي ومرتبطة به ارتباطاً مباشراً، ترقى إلى جرائم حرب، بما في ذلك الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصّة القتل، وتوجيه هجمات متعمّدة ضدّ المدنيين، وإجبارهم على النزوح”. ورأت البعثة أن انتشار هذه الانتهاكات ومنهجيتها يؤكّدان وجود سياسة كامنة وراءها، فهي ليست تجاوزات فردية. لذلك ترى البعثة أن “قوات الدعم السريع ارتكبت أيضاً جرائمَ ضدّ الإنسانية، لا سيّما القتل والتعذيب والتهجير القسري والاضطهاد على أسس عرقية”.ترفض النائبة العامة هذه الإدانة، لأن البعثة لم تغضّ الطرف عن بقية الانتهاكات، إنما تتبّعتها وخلصتْ تقريباً إلى ما خلصتْ إليه في تقريرها في العام الماضي. قال التقرير: “وخلصتْ البعثة إلى أن المدنيين كانوا مستهدفين من قبل الطرفَين وحلفائهما، بسبب انتمائهم الفعلي أو المتوهّم إلى الجانب الآخر”.يرفض الطرفان تحمّل مسؤولية أفعالهما.يصرّ الجيش على أنه يتعرّض لـ”مؤامرة كونية” تشارك فيها الدول الأوروبية والعربية والأفريقية، والمؤسّسات الدولية والإنسانية. قائمة الأعداء مفتوحة، ويمكن أن تدخل فيها أيُّ جهة أو دولة. صاح أحد مؤيّدي الجيش بغضب في قناة إعلامية: “نحن في حرب ضدّ أربع قارّات” (!).كذلك، خرج قائد “الدعم السريع”، عندما بدأت سلسلة انهيار قواته بعد سيطرتها حوالي عامٍ على معظم مساحة السودان، في تسجيل مصوّر ليقول لأنصاره إنهم شجعان “يحاربون سبع دول” لا جيش “الفلول” فقط.في قلب هذه المؤامرات ينظر الطرفان للمؤسّسات الدولية بريبة، ولا تجاملهما بعثة تقصّي الحقائق، فتقول في تقريرها إن “القوات المسلّحة السودانية وقوات الدعم السريع مسؤولتان، ليس فقط عن هجمات مباشرة وواسعة النطاق ضدّ مدنيين، بل أيضاً عن تدمير واسع للبنى التحتية الحيوية الضرورية لبقائهم في قيد الحياة، بما في ذلك مراكز طبيّة وأسواق وأنظمة غذاء ومياه ومخيّمات نزوح”.هي جرائم يحرص كل طرف على أن يتبرأ منها وأن يدفع ثمنها الطرف الآخر. اللافت أن التقرير اعتمد في توثيق بعض الانتهاكات على عدة تسجيلات مصوّرة بعد فحصها والتحقّق منها، صوّر فيها أصحابها جرائمهم بفخر واحتفاء، وهي ظاهرة تكرّرت في حرب السودان، لا توحي إلا بمدى تغلغل اليقين الكامل بغياب المحاسبة، أو ربّما الفقد الكلّي للتمييز الأخلاقي بين الصواب والخطأ.يقول رئيس البعثة الدولية المستقلّة لتقصّي الحقائق محمد شاندي عثمان: “لا مجال للشكّ بأن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الحرب”.قد يشابه تقرير 2025 تقرير 2024، وسيشابه رفض الطرفين له رفضهما السابق. لكنه غالباً لن يمرّ كما مرّ سابقهThe post إدانات دولية جديدة لحرب السودان appeared first on صحيفة مداميك.