البناء على الرباعية أجدى من لعنها

Wait 5 sec.

بقلم عمر العمرربما يحتاج السودانيون إلى معجزةٍ تطفئ الحرب. فمسار العمليات العسكرية لا يؤشر إلى انتصار أحد الطرفين. على النقيض تبدو النتائج الراهنة سيئة على نحو يجعل النصر المدعَى منهما هزيمة لا محالة . الشعبُ وحدُه يتحمل على اختلاف انتماءاته الاثنية والجهوية عذاباتٍ بلا حدود ويدفع فاتورةً فادحةَ الكُلفة على المدى الراهن والبعيد. مع ذلك يصرُ أنصار الحرب على مطاردة شبح النصر تحت شعارات وهميةٍ وسط برك الدم، اكداس الجثث وركام ما تبقى من البنى العامة والخاصة. فلا ديمقراطية على فوهات البنادق. ولا كرامة لشعبٍ تفرّقت به سبلُ الذلة في الداخل والخارج . ربما تأتي مبادرةُ المجموعة الرباعية بارقة أمل للخروج من مستنقع الدم والدمار فيما لو قوبلت بعقلية منفتحة على الإفادة من التجارب بما في ذلك تجربة الحرب الكارثة. فطرفا الحرب مثلُ الشعب قاطبةً يحتاجان لطوق نجاة بغية الإفلات من الغرق. المبادرة تحريضٌ على السلام وليست إملاء للشروط كما يحاول انصار الحرب شيطنتها.*****فأنصار الحرب بلغ بهم الافتراء على الشعب تجاوز مصادرة حقه في التعبير طوال ثلاثين عاما إلى احتكار حقه في التفكير .مع ذلك نتفهم رفضهم المكابر المبادرة الرباعية. فهي إذ تحفر كوة الأمل لإطفاء الحرب إنما تفتح نافذة تجريدهم من السلطة أو ربما دفعهم خارج مسرح عملياتها، ولو مؤقتاً .لكن فرعنتهم في احتكار السلطة، وحق التفكير يجعلهم لا يكتفون بابداء الرأي فقط بل تأكيد وصايتهم على الشعب.فهم فرضوا الحرب باسمه ويصرون على التوغل فيها بالانابة عنه ويفترضون له مطاردة شبح النصر .هم غير أبهين في كل ذلك بمعاناة الشعب والهدر في قدراته وشبابه وفرصه الحياتية. لا يهم ولو طال زمن الهدر عشر سنوات كما يتباهى البعض بنصر مُتوَهم. الحسم ليس للبندقية وحدها . فماكينة الدمار الإسرائيلية المتوحشة تعمل طوال أكثر من سنة في شعب أعزل دون بلوغ انتصار حاسم.*****الحركة الإسلامية لم تفق من غيبوبة الاستبداد والغطرسة بعد كل هذا الخراب على صعيد الوطن والضحايا وسط الشعب ،إذ لا تزال تتحدث بلسان حال الوصاية على الشعب وتجسيد ارادته الحقيقية ،حمايةِ الدين وسيادةِ الشعب واستقلال الوطن! هذه مرافعةٌ تدين الحركة الإسلامية حد التجريم بالخيانة الوطنية. فهي فرّطت في حماية البلد حتى سقط في الانقسام ويشارف حالياً على التجزئة. هي عجزت عن بسط هيبة الدولة وقوة القانون حتى تم قضم أجزاء من الوطن وصار القانون لعبة بأيدي مجموعة غير كرام بررة. كما أضعفت إرادة الشعب حتى أمست الدولة عرضةً لإملاءات نفوذ الآخرين .هي ذلّت المواطن حدًا مارس التسول .هي افسدت الدين حتى أغرقته في الفساد و الدجل .على من يرفع شعار الكرامة استعادة صمته المخزي حينما كان أوباش مسلحون يسلخون بالسياط ظهور شيوخ مسالمين ويهينون شبانا مناهضين بحلق رؤوسهم كما تُجز فرا الخراف!*****كأنما نداء التفاوض بغيةَ انهاء هذه الحرب الكارثية رجسٌ من عمل الشيطان يُرجم من يرفعه بالخيانة والإلحاد .أو كأنما هو بدعةُ ضلالٍ مستحدثةٌ بينما التاريخ يحدثنا بكل اللغات أن معارك الحروب تنتهي دوما في قاعات المحادثات. إنهم يكفرون بالتفاوض لانهم يدركون أنه يقرّب نهايتهم سلماً. هم يحاججون في كفرهم بالمبادرة من منطلق رفض مساواة الجيش والدعم السريع .تلك مساواة منطقها أنهما طرفا الحرب. فالجيش يخوض حربا ضد مقاتلي الجنجويد. جنرالات الجيش الأربعة القابضون على كل السلطة ؛السيادية، التنفيذية، التشريعية، العدلية ، العسكرية ، الأمنية والمالية أعلم من غيرهم بسيرة الدعم السريع من الولادة مرورا بالتربية والتسمين حتى (شب عن الطوق). عبثًا يتوهمون انتصارا قريبا بينما يحاججون باستمرار تدفق المرتزقة والعتاد العسكري من الخارج!*****الحركة الإسلامية غيرُ مهيأة لاستيعاب عذابات الشعب ،المتغيرات على مستوى السياسة الدولية أو فهم التقاطعات على صعيد المنطقة.أي نظرة نافذة ولو قليلا ستتوقف عند محاولات قيادات كسرَ المألوف المتوارث عقودا والخروج من تحت أنقاض الاستبداد وأطلال الايدلوجيا. كما تشاهد عزائم شعوب تسعى إلى استنشاق نفحات الحرية و الكرامة وإعادة بناء جسور إلى مستقبل حافل بالتصالح الداخلي والانسجام مع المحيط الخارجي. في ظل الخراب المعيش داخل الوطن تشكلُ مبادرةُ المجموعة الرباعية فرصة حقيقية يتوجب استثمارها للنهوض من تحت الرماد. الضلع الآخر من الفشل يتجسد في هشاشة و تشقق القوى المدنية البالغِ حدَ العجز تجاه اكساب المبادرة الخارجية نواة وطنية صلبة عبر حراك جماهيري ضاغط على حملة السلاح من أجل تسليمهم بالتفاوض وسيلة حاسمة لإنهاء الحرب .هذه المبادرة لا تميل لجهة طرف على حساب الآخر .بل تتحدث عن مغادرتهما معا أروقة صناعة القرار. ذلك ليس خيار الحركة الإسلامية.*****ليس المطلوب قبول المبادرة كيفما جاءت. بل قبول نقل المعارك من المدن والمعسكرات إلى قاعات التفاوض . المبادرة ليست شروط إملاء. كما أن أطرافها ليسوا وسطاء. هي مقترح ينبغي استثمار زخمها الخارجي لإلقاء البنادق وفتح قنوات الحوار. ترحيب الدعم السريع بها لا يعني التسليم بالهزيمة . بل ربما يعكس تفوق عقلية الميليشيا السياسية- ياللاسف – على دماغ الدولة. وصم أحد أطراف المبادرة بمساندة الجنجويد لا يبرر منطقيا رفض جهود الأطراف الثلاثة .هذا وضع يتيح فرصة إحداث تحول في المواقف .فمن المتداول لدى مبتدئي إدارة السياسات (لا توجد صداقات دائمة في العلاقات الدولية أو عداوات دائمة بل هناك دوما مصالح دائمة .).التدخل الخارجي وباء عالميٌ تشكو من أعراضه كل الدول ،بما في ذلك أميركا .كما أنه لا يستثني عاصمة في الوطن العربي منذ حرب السويس، و لا تبرأ منه عاصمة أفريقية. العصابة القابضة على جميع مؤسسات الدولة أكثر من فرّط في سيادة الدولة ، بسط هيبتها والحفاظ على حدودها وكرامتها.بل ساومت على تراب الوطن مقابل بقائها.*****المبادرة فرصة لبناء اصطفاف وطني جماعي ضد الخرب ومن أجل السلام والخير والجمال والعدالة.من يرفض استثمار الفرصة عليه طرح بديل سلمي مقنع.نقلا عن العربي الجديدThe post البناء على الرباعية أجدى من لعنها appeared first on صحيفة مداميك.